لم تكن يوماً وجهاً إعلامياً معروفاً ولا طبيباً متخصصاً ذا صيت، إلا أنها كسبت بفضل موهبتها ثقة أصحاب الآلام والأوجاع المزمنة، فباتت تشكل لهم أسطورة شفاء بفضل الله ومنّه وكرمه، حتى باتت تعالج بشكل يومي أعداداً تتجاوز مرضى العيادات التخصصية.
فها هي المواطنة حلاوة اليماحي «أم سعيد» تفتح بيتها المتواضع في منطقة الطويين بالفجيرة أمام من يؤمن بقدارتها الشعبية في العلاج. فهي لا تمتلك عصا سحرية لعلاج، وكل ما تملكه سبابتها اليمنى وإحساسها العميق الذي يدلها على مواضع الألم، حتى ذاع صيتها وتجاوز حدود الإمارة إلى أن وصل الدول المجاورة.
جعل لها مكانة تضاهي كبرى المستشفيات في الدولة، فالرِّحال التي تشد لأرقى المستشفيات قد تشد ومنذ الصباح الباكر لقرية الطويين بحثاً عن «أم سعيد».
إصرار
أم سعيد التي دخلت العقد السادس من عمرها، رغم أن صحتها في تراجع حسب تعبيرها، لكن لم يمنعها ذلك من مزاولة مهنتها بكل ما أوتيت من قوة، مؤمنة في الوقت ذاته أن الشافي هو الله، وحبها لممارسة الطب الشعبي، وحاجة الناس لها جعلاها محط إعجاب وتقدير كل من حولها، أولهم زوجها أبوسعيد وعائلتها الذين يعتبرونها فخراً لهم لخبرتها وعزيمتها على العطاء المثمر للناس والوطن.
وبات موطنها «الطويين» معلماً لمن يبحث عن الطب الشعبي بفضل المعالِجة «أم سعيد» التي لا تتقاضى عن خدماتها سوى الأجر من الله. فتتحدث عن أن المقبلين عليها من كل مناطق الدولة خصوصاً الفجيرة والعين وأبوظبي، وهناك من يقبلون عليها من دول مجاورة كسلطنة عمان والسعودية وقطر والكويت..
حيث لاقت تجارب علاجها الشعبي معهم النجاح ولا يزالون على تواصل دائم معها وبالأخص من نجحن بالحمل والإنجاب بعد سنوات من العلاج.
كابراً عن كابر
واكتسبت أم سعيد هذه المهارة والموهبة في الطب الشعبي، على حد تعبيرها، من عائلتها، حيث جمعت خبرة السنوات التي كانوا يمارسونها في تطبيب بعضهم في زمن شح المراكز الطبية. وأشارت أن بداية تجربتها بدأت منذ أن كانت مراهقة عندما نجحت في علاج والدة زوجها باستخدام «الكي».
واستمرت إلى أن بدأت في علاج النساء قبل أن تتزوج ولم تكن قد تجاوزت 14 عاماً من عمرها، بل كانت تتعلم من أمها وزوجة أبيها التي كانت ترافقها في كل مكان تذهب إليه لمعالجة النساء، وتسمع منها ملاحظاتها والحوارات التي تدور بينها وبين المريضات.
وتشير أم سعيد إلى أن معظم النساء اللواتي قدِمن لمعالجتهن كن يعانين تأخر الحمل والأعصاب، والأمراض الحالية التي بدأت تنتشر كالتكيُّسات في الرحم. حيث أثمر مسحها بالزيوت لهن واستخدام الحجامة الحافة عن تجارب ناجحة بالإنجاب ولله الحمد، فضلاً عن أن لها خبرة واسعة في رفع لوز الأطفال الملتهبة أو ما يسمى شعبياً «بالترفيع».
مرجع طبي
وحول خبراتها الأخرى فإن حلاوة خميس تعتبر مرجعاً طبياً لعلاج الكسور، وتقول عن ذلك: إن علاج الكسور بحاجة إلى خبرة، ويدخل في ذلك أعشاب معينة لا يمكن الاستغناء عنها أهمها المر، والعنزروت، وورق السدر، وشجر الظفر، ويتم خلط ودق هذه الأعشاب ونثر شعر الغنم عليها، وتوضع بعد ذلك على الكسر مثبتة إما بجريد النخيل وإما بخشب آخر، حسب نوع وحجم الكسر ثم يتم لفها بقماش، وبعد ثلاثة أيام يتم فحص الكسر والتأكد من جبره.
وتشير المعالجة «أم سعيد» إلى أن من يحيطون بها قد أطلقوا عليها لقب «الداية»، كونها لا تعالج سوى فئة النساء والأطفال.
وتضيف: «قد لا أجيد القراءة والكتابة إلا أنني مكتفية بمن حولي من أبنائي وأقاربي للتواصل مع المرضى عن طريق رسائل «واتساب» لتحديد المواعيد لهم، رغم أن الكثير من الحالات تقبل من دون مواعيد»، وأشارت إلى أنها تعالج يومياً عدداً يتراوح ما بين 12 إلى 17 شخصاً، وهو ما سبب لها إرهاقاً عاماً في جسدها أخيراً.
فضلاً عن أنها لا تتردد في المشاركة في الفعاليات الوطنية والقرى التراثية التي تقام في مختلف مناطق الدولة لنشر ثقافة وعلوم الطب الشعبي الموروث للأجيال الحالية. ونالت من ذلك العديد من شهادات التقدير تكريماً لدورها الريادي الفعَّال في حفظ الموروث الشعبي. (موقع الطويين : البيان – ابتسام الشاعر)