الغزيمري سر تحفظه الجبال والوديان … توفر الماء يمنحها المزارع بسخاء

موقع الطويين : الخليج – بكر المحاسنة

لإمارة الفجيرة سحر مكنون لا يظهر إلا كلما تعمقنا في تضاريسها وتخللنا سلاسل جبالها الملونة وبساتينها الخضراء وأراضيها البكر التي تضم مناطق طبيعية وأثرية تحكي تاريخها العريق . ومنطقة الغزيمري هي إحدى هذه المناطق الجميلة والبعيدة عن الطرق المعبدة التي تكشف للآخرين أسرار جمالها وهدوئها . تقع المنطقة على أطراف منطقة الفرفار غرب مدينة الفجيرة بين الجبال الشاهقة، وتحدها الوديان، ويمر من وسطها وادي الفرفار الكبير الذي تتوافر فيه المياه معظم أيام السنة، ويعد مخزوناً قوياً للزراعة .

تشتهر هذه القرية بوجود عدد من بقايا المنازل القديمة الأثرية التي عاش فيها سكان الغزيمري قديماً، وهم من قبائل الكنود والمزروعي واليلايلة، وهي من القبائل العربية الأصيلة التي شكلت مجتمعاً هادئاً يعيش على البساطة والطيبة والمحبة والعادات الأصيلة . واشتهر أهالي الغزيمري بقوة الروابط الاجتماعية بينهم، ما منحهم القدرة على العيش في ظل ظروف الحياة القاسية . تتميز الغزيمري  بكثرة المزارع الخضراء بفضل الأمطار السنوية على المنطقة، ووجود الوديان، حيث يحدها واديا حاكم من الأمام وسهم من الخلف، ويمر عبر أراضيها وادي الفرفار الكبير، إضافة إلى وجود الآبار الجوفية الندية . واعتمد أهالي الغزيمري في معيشتهم قديماً وبشكل أساس على زراعة العديد من الخضراوات والفواكه والغليون، إضافة إلى تربية المواشي .

الحاج خميس خلفان اليلايلة (67 عاماً) يقول: عاش أهالي المنطقة في الماضي في منازل بسيطة من الحجارة وجريد النخيل والطيب وبعض أخشاب الأشجار، وكانت هذه المواد تعد بطريقة هندسية مناسبة لبناء البيوت . وكان الأهالي راضين في معيشتهم بما كانت تمنحهم إياه الأرض والجبال من عسل النحل البري وحطب الأشجار، وما كانت توفره لهم زراعة الأرض من التمور والمحاصيل الأخرى، إضافة إلى ما كانت توفره لنا تربية الماشية . ويضيف: كان الناس في الماضي يعتمدون في حياتهم اليومية وبشكل أساس على جمع الحطب من رؤوس الجبال المجاورة للمنطقة وجمع التمور، وكانوا يذهبون إلى أسواق الشارقة ودبي، لبيعها بعد تحويل الحطب إلى »سخام«، أي فحم، إضافة إلى منتجات الماشية من السمن والصوف وغيرها .

وكانت هذه الرحلات تستغرق أياماً وليالي، إما على الحمير أو الخيول أو على الأقدام، وكانت توفر للأهالي قوت يوم أو أيام قليلة فقط . وانصب اقتصاد الأهالي أيضاً على زراعة القمح والشعير والغليون الذي أدى دوراً كبيراً في زيادة دخول الأهالي، نظراً لإقبال التجار البحرينيين والإيرانيين على شرائه بأسعار مرضية من جميع المزارعين .

ويشير اليلايلة إلى أن جميع الأهالي كانوا متكاتفين ومتعاونين ويعدون عائلة واحدة، قبل أن ينشغلوا الآن أكثر بأمورهم . ويلفت إلى أن قرية الغزيمري تميزت بطبيعتها الجبلية القاسية في الماضي إلا أن هذا لم يمنع من القدرة على العيش، كما أن منازل القرية في الماضي كانت لا تتعدى 15 بيتاً مصنوعة من الأحجار والمواد البدائية، إلا أن الحال تغير تماماً عندما قامت الدولة بعد الاتحاد ببناء مساكن شعبية ذات طابع حديث .

الحاج عبيد خلفان (90 عاماً) يقول: مساكن أهل القرية قديماً كانت عبارة عن كهوف وسراديب متصلة، وتعود هذه الكهوف إلى عصور قديمة، ولكن بعضها طمر بسبب عوامل عدة، ثم بدأ بعض الأهالي ببناء البيوت الشتوية من الطين والحجارة وسعف النخيل وتبن الشعير، وبعضها موجود ويزيد عمره على 150 عاماً، وهناك أيضاً البيوت الصيفية التي كانت تقام بالقرب من المزارع .

ويشير إلى أن الأهالي ورثوا من الآباء والأجداد قيمة الترابط الاجتماعي، وأهمية العمل الجماعي، من أجل تصريف شؤون حياتهم، كما كانت النساء والرجال يداً واحدة يعملون لقهر الصعاب لضمان استمرارية الحياة، حيث كان الرجال يتوجهون إلى مزارعهم وتجارتهم وجني المحاصيل، والنساء يتابعن شؤون المنزل والأطفال ويجلبن الماء والحطب ويقمن بتربية الهوش والبوش وحلب الماشية، إضافة إلى القيام بالعديد من المشغولات اليدوية .

ويروي الحاج محمد بن عامر البريكي (78 عاماً) أن جميع بيوت الغزيمري قديماً بنيت من الحجر والطين المطعم بالحصى وسعف النخيل، وأن أهل القرية تعاونوا حتى أنجزوها، وأنه كان للقرية نظامها الداخلي وأعرافها وعاداتها وتقاليدها وموروثها الشعبي، إذ كانوا يستيقظون رجالاً ونساء قبل طلوع الشمس وهم في حيوية ونشاط ليذهب كل منهم إلى عمله، ومنهم من كان يذهب إلى المسجد ليتعلم القرآن الكريم والسنة النبوية والأخلاق الحميدة .

ويؤكد خميس بن عامر البريكي (65 عاماً) أن أراضي الغزيمري جاءت على الأهالي بخيرها الوفير من شتى صنوف المحاصيل الزراعية . ويقول: كنا عقب الانتهاء من عمليات جني الثمار بأنواعها نقوم بتخزين احتياجاتنا منها للموسم الزراعي المقبل، وما يفيض منها نذهب به إلى أسواق الشارقة ودبي ورأس الخيمة، من خلال الرحلات التجارية التي كانت تنطلق بعد صلاة الفجر من أمام مسجد القرية الصغير .

راشد سالم راشد الكندي (57 عاماً) يشير إلى اعتماد الأهالي في غذائهم في الماضي على البر والتمر والأرز . وعن تسمية الغزيمري بهذا الاسم يقول: هناك آراء تقول إن الأجداد والآباء اختاروه لوجود شجرة تسمى الغزيمرية منتشرة في الجبال المجاورة للقرية . ويضيف أن المنطقة تتميز بالهدوء الشديد والطقس المعتدل في معظم أيام السنة، إضافة إلى أنها مملوءة بالبرك والآبار العذبة التي يعتمد عليها أهالي الغزيمري والفرفار في ري المزروعات .

ويكثر في منطقة الغزيمري، حسب الكندي، العديد من النباتات البرية التي يستخدمها بعض أهالي المنطقة والمناطق المجاورة في علاج الكثير من الأمراض، ومن أهم تلك النباتات العرجون والحرمل والزبيدية وأشجار السدر والسمر وعرق الغزال وغيرها .

محمد سالم خلفان المزروعي (70 عاماً) يقول: الحياة في القرية كانت قائمة على المحبة والتعاون بين جميع الأهالي، وكان سكان الغزيمري ومنطقة الفرفار المجاورة لها يفضلون الجلوس أمام منازلهم في رمضان والأعياد والمناسبات، حيث يقوم رب الأسرة بتحضير الهبش (المأكولات الشعبية المتعددة) والقهوة والتمر والهريس، ويجلس أمام منزله ليسمح للمار والزائر بمشاركته .

الحاجة أم علي الكندي تقول: النساء في الماضي كن شريكات في كل شيء، فالمرأة كانت تقوم بالعديد من الأعمال، منها جلب الماء ورعي المواشي وخياطة الثياب وعمل المشغولات اليدوية، وكان هناك نساء يذهبن إلى أسواق الفجيرة لشراء بعض احتياجات الأسرة من القهوة والعيش، إضافة إلى شراء القماش لنخيط ملابسنا بأيدينا، وكانت نساء القرية يتجمعن ويتعاون في أداء العديد من الأعمال . وتضيف أم علي: لاتزال نساء كثيرات يتولين، إلى جانب أعمالهن الأساسية، تصنيع العديد من المشغولات اليدوية، مثل المهفة والحصير والخصف والمغطى، مستخدمات سعف وجريد النخيل ونباتات الورع .

وتشير إلى أن الحياة اختلفت عنها في الماضي، إذ كانوا يعيشون من دون كهرباء أو مكيفات كما هو الحال اليوم، وكان الناس لا يتعطلون عن أعمالهم لأي سبب .

الحاج محمد علي المزروعي (68 عاماً) يقول: عانينا كثيراً الظروف الحياتية الصعبة قبل الاتحاد، ومعيشتنا ارتكزت على مصادر رزق بسيطة . ويشير إلى أن أهالي الغزيمري والفرفار اشتهروا كغيرهم بمهنة القنص، حيث كان رب الأسرة يحرص على اصطحاب أولاده معه خلال رحلاته داخل الجبال لاصطياد الغزلان والوعل الجبلي والظباء وغيرها من الحيوانات البرية .

ويوضح الحاج عبيد خميس خلفان أنه عندما كان المساء يحل في منطقة الغزيمري كان أهالي القرية يدخلون عالماً جديداً وهو السهر عند أمير المنطقة، وكان لذلك مذاق جميل خصوصاً عند إشعال الحطب في »الكانون«، ليصبح فيما بعد جمراً يسترخون على دفئه . وحول مظاهر الاحتفالات قديماً يقول: كنا خلال الأعياد نجتمع لنؤدي الصلاة سوياً بالساحة المخصصة بجانب مسجد القرية القديم وعقب الانتهاء منها نتزاور ونذبح الذبائح لإقامة الولائم طول أيام العيد . أما الأعراس فكانت تتم بأقل القليل بالاعتماد فقط على الفنون الشعبية المعروفة لدى أهالي المنطقة في بيت المعرس على مدار ثلاثة أيام متتالية .

الشاب علي مبارك الكندي يقول: ندين للآباء والأجداد بما غرسوه في نفوسنا من مبادئ وعادات وقيم وتقاليد مكنتنا من السير على درب الحياة القويم، ونحمد الله على النعم العظيمة التي منَّ بها علينا، منذ عهد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وحتى الآن .

ويؤكد سعيد محمد سعيد أن تطوراً هائلاً شهدته منطقة الغزيمري في كل المجالات، مشيراً إلى أن اهتمام الدولة بالشباب جعله يتحمل المسؤولية تجاه أسرته ووطنه .

Related posts