الغوب في إمارة الفجيرة منطقة ساحرة بين الجبال تتسم بالهدوء وبساطة سكانها

242097

موقع الطويين : الخليج – بكر المحاسنة

على بعد مسافة 75 كيلومتراً من مدينة الفجيرة تقع منطقة الغوب التابعة إدارياً لمدينة دبا الفجيرة وسط سلسلة من الجبال الشاهقة الارتفاع والمتصلة ببعضها بعضاً وذات ألوان مختلفة . تتمتع بوجود المناظر الطبيعية الخلابة ومناطقها الساحرة الهادئة، ووجودها بين والجبال أضفى عليها رونقها الخاص، وهذا ما جعلها منطقة ساحرة بجدارة، وتشتهر بوجود عدد من بقايا البيوت القديمة التي عاش فيها سكان الغوب قديماً الذين هم من قبائل اليمامحة نسبة إلى (اليماحي) وعدد من القبائل الأخرى ذات الجذور العربية الأصيلة الذين اعتمدوا في معيشتهم قديماً وبشكل أساسي على الزراعة بأنواعها وجمع العسل من كهوف الجبال والحطب باعتبارها من المصادر الأساسية لتوفير لقمة العيش الكريم في ذلك الوقت، ولعبت الأمطار السنوية على المنطقة ووجود الوديان والبرك والآبار الجوفية العذبة دوراً كبيراً في خضرة الغوب وخصوبة أرضها .

علي سعيد اليماحي أبومحمد يقول: كانت منطقة الغوب تسمى قديماً بالجدة (اليدة نطقا) أو ظنحا، وكانت هذه المنطقة عبارة عن عدد قليل من مساكن العريش والمدر والحصى والطين، وتحولت إلى مساكن شعبية بمكرمة من المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله، وما زلنا نقطن في هذه المساكن حتى الآن منذ عام ،1979 ونأمل بأن ننتقل إلى المساكن الجديدة من صندوق زايد للإسكان . وكانت معشيتنا قبل قيام الاتحاد بسيطة واعتمدنا فيها على جمع العسل البري من الكهوف الجبلية ورعي المواشي وزراعة أشجار النخيل وبعض أنواع الخضروات والفواكه وبعض المحاصيل التي كانت تنتشر خلال مواسم هطول الأمطار .

ويضيف: سكان الغوب قديماً تركزوا في منطقتي ضنحا وغوب القديمة وكانت المنازل في ذلك الوقت لا تتعدى 18 منزلاً منها الشتوية المبنية من الحجارة والطين والحصى ومنها الصيفي “العريش” المبني من سعف وجريد النخيل وأغصان أشجار السمر والسدر وكان عدد الأهالي في ذلك الوقت لا يتجاوز الثلاثين فرداً مترابطين في ما بينهم على السراء والضراء . كما أن المنطقة تساعد على اشتغالنا بالمهن التي عملنا فيها قديماً مثل البحث عن العسل البري والقيام بأعمال الزراعة وتربية الماشية والعديد من الحيوانات .

وأشار إلى أن الأهالي عاشوا ظروف الحياة بحلوها ومرها إلى أن أعلن عن قيام دولة الاتحاد، حيث تغيرت الحياة بعد ذلك على أرض “الغوب” من الحياة الصعبة إلى السعادة، ولا ننسى توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وإخوانه حكام الإمارات، لما قدموه لنا من أجل إنشاء المساكن التي أحدثت نقلة نوعية في حياة أبنائنا، والحياة بسيطة ونعيش براحة تامة ضمن أجواء طبيعية .

أما سعيد علي سعيد يقول: حياتنا في الماضي كانت صعبة إلا أننا كنا نتكيف مع الظروف، ولم نكن نعتقد أن الزمن سيتغير والفضل من الله سبحانه وتعالى، ثم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله الذي جمع الصفوف ووحدها وأقام الدولة وبدّل واقعنا .

ويضيف: معيشة سكان الجبال لم تكن تعرف الاتكالية فالكل يعي منذ الصغر أهمية السعي والعمل لتحصيل قوته اليومي سواء بجمع محاصيل العسل من الكهوف الجبلية أو رعي الأغنام والإبل والبقر أو من خلال جمع الحطب، مشيراً إلى أنه كان يحمل يومياً 70 كيلوغراماً من الحطب بأعالي الجبال ويسير بها إلى مسافات بعيدة وصولاً إلى القرية . وتابع: كانت لنا معشيتنا الخاصة . نعتز في عاداتها وتقاليدها حيث إن أهالي القرية قديماً كانوا يتزاورون في ما بينهم كل يوم، وهي من الأمور الطيبة التي ورثناها عن الآباء والأجداد السابقين وحرصنا على الالتزام بها ومن ثم غرسها في نفوس أبنائنا، كما أن الغوب منطقة مريحة ولا يوجد فيها إزعاج، وما زال الجيران يقومون بمساعدة بعضهم بعضاً في الأعمال الحياتية كرعي الغنم، والبحث عن العسل .

ويقول محمد أحمد: عشنا في زمن بلا كهرباء ولا مياه، لا طرق معبدة ولا أي نوع من المواصلات سوى استخدام الحيوانات في التنقل، وكنا نستنير بالقمر والنجوم، وكان الأهالي ينزلون إلى مدينة دبا الفجيرة مرة في الأسبوع، يأتون بالسمك ومير المنزل واحتياجات النساء .

ويضيف: عمل الأهالي في رعي الأغنام وبيعها، وجمع الحطب، والعسل، والبعض الآخر في التجارة بالمدن القريبة من المنطقة، إلا أن الأغلبية كانت أعمالها تتركز على رعي الغنم، وجمع الحطب والعسل، وزراعة الوعوب الجبلية، حيث كانت المنطقة تشتهر بكثرة الوعوب الصالحة لزراعة الحبوب، وبخاصة القمح والشعير حيث تزرع حين يسقط المطر، وينتظر الأهالي من 4 إلى 5 أشهر إلى أن يحين وقت حصاد الحبوب وجمعها، ويسمى الحشيد، حيث يجتمع الأهالي وقت حصاد حبوب القمح، ويضعون أعواد القمح بالينور، وهو مكان مخصص لدق الحب وفصله عن السنابل، ويترك جزء منه في سنابله كي لا يتأثر ويوضع “بالينز” وهو مكان مخصص لتخزين الحبوب في الجبال .

محمد سعيد علي اليماحي يقول: الحياة في الماضي كانت صعبة فلم يكن هناك سيارات ولا طرقات معبدة ولا حتى منازل سكنية جيدة تحمينا من أخطار الظواهر المناخية المتقلبة مثل الأمطار والعواصف، فضلاً عن عدم وجود سيولة مادية كافية في يد الأهالي تساعدهم على مواجهة ظروف المعيشة القاسية والصعبة، وبسسب ذلك وغيرة اضطر العديد من شباب القرية للسفر إلى السعودية والكويت للعمل بكل جهد وعناء لتوفير متطلبات الأسر، لافتاً إلى أن المعاش اليومي للشخص الواحد كان يتراوح ما بين 6 إلى 8 ريالات من خلال عمله في تحميل الأسمنت والبضائع على متن السفن .

وعن أحوال التجارة قديماً يقول: لم يكن أمام الأهالي في ذلك الزمان من أجل تأمين لقمة العيش سوى التجارة من خلال بيع الحطب والعسل الجبلي والحيوانات بأنواعها داخل أسواق دبي ورأس الخيمة والشارقة عبر رحلات تجارية جماعية طويلة وشاقة وكانت الرحلة تستغرق أكثر من عشرة أيام يبيتون خلالها في العراء ثم يعودون محملين باحتياجات الأهالي من الطحين والقهوة والأرز والملابس ذاكراً أن حمولة البعير الصغيرة من الحطب كانت تباع بخمس روبيات بينما حمولة البعير الكبير بعشر ومن العسل بخمس وكانت أسعار الماشية تتفاوت بحسب أحجامها .

سعيد محمد علي يقول: قبل أربعين سنة كانت الحياة متمسكة ببساطتها وصعوبتها، فلم تكن الطرق متوافرة وكانت “اللاند روفر” أول أنواع السيارات التي وصلت إلينا، والمناطق المجاورة، وكل منطقة كان فيها 15 إلى 20 منزلاً مبنياً من الحجارة الجبلية والطين المطعم بالحصى . وانصب اهتمام أهالي “الغوب” قديماً على زراعة أشجار النخيل وبعض أصناف الفواكه والخضروات وحب البر في الوعوب الجبلية واعتمدنا في ذلك بشكل أساسي على آبار المياة العذبة والأمطار، مشيراً إلى أن خيرات هذه المزروعات المحدودة كانت تكفي احتياجات الأهالي . وكنا نقطع الحطب ونبيعه في سوق الشارقة ودبي، ونبيع كذلك السمن والعسل .

وتقول شيخة جمعة الصريدي (أم محمد): منطقة الغوب تعتبر منطقة هادئة بشعبها، والجميع يتشاركون في أمور الحياة والمعيشة، عندما تصنع الحليب واليقط والسمن والجبن والروب من الأبقار بواسطة السقا (الشن ) نقوم بمقاسمة الجيران في هذه الأشياء، وما زالت العادات والتقاليد العربية الأصيلة حتى الآن متوارثة، ومن ضمنها احترام الجيران والتعاون، وكانت النساء قديماً تذهب للبحث عن الرزق من الجبل أيضاً حيث الحطب للطبخ، والحشيش للماشية والأبقار من جبال “الغوب”، ونقوم بحلب الأغنام والأبقار وعند غياب واحدة تسد الأخرى مكانها، ونقوم بالأعمال اليدوية كالخياطة، أما الآن الحياة تغيرت، وأصبحت أكثر سهولة في المساكن والمواصلات والتطور في المجالات كافة .

وكان الأهالي يسافرون لبيع الحطب والأغنام والسخام “الفحم”، لمدة 8 أيام إلى دبي والشارقة ويومين إلى رأس الخيمة، أما النساء فكن يجلبن المياه، ويخيطن الثياب ويقرظن البراقع وإلى الآن أفعل ذلك وأسف الخوص .

أما فاطمة سعيد محمد (أم سعيد) تقول: الجيران في الغوب كانوا يتزاورون ويساعدون بعضهم بعضاً في حالة غياب ربة البيت أما الآن فالاعتماد أصبح على الخادمات، والأطفال يتجمعون في الأعراس، ويتابدلون الطعام وتتعاون حريم المنطقة في إعداد “السفه”، وكل واحدة تبيع للأخرى، ويكون هناك التعاون من دون مبلغ مالي . وكانت لنا أعمال كثيرة، إذ كنا نرعى الغنم والأبقار ونحلبها، ونخض اللبن ونجلب الحطب والماء من الجبال، ونعمل السقا وندبغ القرب، والدباغة أخذناها عن آبائنا وأجدادنا كما كنا نقوم بخياطة الملابس وصنع العديد من المشغولات اليدوية .

وتقول غريبة عبدالله محمد (أم هنيدي): “الغوب” منطقة جبلية عشنا فيها أياماً جميلة وتحيا في هدوء وسلام، والأهالي يحترم كل منهم الآخر، ومازالوا محافظين على عاداتهم وتقاليدهم حتى الآن رغم التطور الذي حدث في هذا الزمن .

وتضيف: الأعراس قديماً كانت تقام على مدى أسبوع كامل وتكون فيها الأهازيج والرزيف، وتكون العروس في أحلى حلتها يوم الجمعة، وهو اليوم الذي تذهب فيه إلى منزل الزوجية، وكانت الأمهات يجهزن بناتهن قبل أسبوع من العرس، ويدهن أجسامهن بالنيل والورس لمدة ثلاثة أيام ليصبحن أكثر جمالاً وإشراقاً، وحين تقام الأعراس نذهب جماعات من النساء كل مجموعة تضم من 10 إلى 20 امرأة ونحمل ثيابنا الجديدة معنا، ونمشي قرابة 5 كليومترات بحسب بعد مكان العرس، ونلبسها عند اقترابنا من المكان، وغالباً ما تكون الأثواب مطرزة، ويستقبلنا الرجال بإطلاق الأعيرة النارية، وكذلك الرجال كانوا يذهبون جماعات إلى مكان العرس ويستقبلون بالأعيرة النارية وبالرزيف وإلقاء العديد من الأزهاج التراثية القديمة المعروفة لدى أهالي الجبال .

مريم علي اليماحي تقول: تتميز الغوب بأنها منطقة تاريخية وأثرية وذات طبيعة خلابة، حيث تتوافر فيها العديد من المزارع القديمة التي تعود إلى مئات السنين، كما كانت تتميز بالعديد من الآثار التي اندثرت بسبب التطور العمراني الذي حصل في المنطقة .

وتشير إلى أن سكان “الغوب” يعيشون كأسرة واحدة تربطهم علاقات القربى والنسب والانتماء للأرض، كما يتميزون بالهدوء وصفاء النفوس ويحبون مَنْ يزورهم حتى إنهم يفضلونه على أنفسهم بحسب العادات والتقاليد المتوارثة . وتشير إلى تميز “الغوب” عن غيرها بالهدوء الشديد وبمناطقها الساحرة ووجودها بين أحضان الجبال وكثرة انتشار أشجار النخيل والسدر .

Related posts