الإبل “سفينة” وقودها العسل والسمن

تربية ورعي الإبل والاعتناء بها هي إحدى المهن التقليدية العمانية التي تنتشر في مختلف قرى وولايات السلطنة، ومنذ القدم توارث العمانيون هذه المهنة الكريمة .

وتتميز الهجن العمانية أنها متوسطة الحجم قوية الأطراف سريعة الحركة وجميلة الشكل، أما ألوانها فتختلف باختلاف المناطق ففي محافظة ظفار في جنوب السلطنة يميل لون الهجن العمانية للسواد، أما في شمال السلطنة فيغلب عليها اللون الأحمر والأشقر والأصفر والأبيض، والهجن العمانية بصفة عامة يمكن تصنيفها كإبل متعددة الأغراض فهي تصلح للركوب أو السباق كما يتم تربيتها للحمها أو حليبها ويحرص العمانيون على هذه الحرفة بعد أن أصبحت تدر عليهم دخلا عاليا خاصة تربية إبل السباق، حيث يصل سعر الواحدة منها إلى ما يزيد على 100 ألف ريال عماني (مليون درهم إماراتي) .

تختلف تريبة إبل السباق عن الإبل التي تعد للنقل والترحال، فالأولى تقدم إليها أغذية خاصة كعسل النحل والسمن وحليب البقر وهي جميعها محلية وتحظى كذلك بعناية خاصة من حيث نظافتها ومتابعة حالتها الصحية بشكل يومي، وهناك 4 مراحل مهمة لإعداد الناقة لتكون من إبل السباق وهي: “الاختيار ومرحلة الترويض ومرحلة التضمير ومرحلة التأهيل للسباق” .

وفي إطار اهتمام السلطان قابوس بن سعيد للمحافظة على التراث العمانية – والذي تلعب فيه الإبل دورا بارزا- فقد تم إنشاء المديرية العامة لشئون الهجن التابعة لديوان البلاد السلطاني في عام 1989 في ولاية بركاء، وتم تجهيزها بمضامير سباق حديثة وحظائر خاصة بالهجن على احدث المواصفات المتوافرة في هذا المجال تأكيدا لأصالة هذه الحرفة ومكانتها عند العمانيين،وتنظم المديرية العامة للهجن المشاركة في الاحتفالات الوطنية والمناسبات المختلفة وإقامة سباقات الهجن وركض العرضة التقليدية، ويشرف قسم التوليد بالمديرية على عمليات توليد وتربية الهجن، حيث تحدد سنويا الأعداد المطلوبة للتوليد على ضوء الاحتياجات المستقبلية وبناء على المعلومات الخاصة بالمواليد يتم إصدار شهادة ميلاد لكل مولود .

ويتم البدء بتدريب الهجن عادة في السنة الثانية من عمرها “الحشوان”، وتستعمل العديد من الأساليب في عملية الترويض التي تبدأ بتقييد الناقة البكر لفترة من الزمن حتى تتعود على الهدوء والاستقرار، وبعد هذه المرحلة يجري تعليمها الجلوس والانقياد والكروب وعملية القلص مع الإبل الأخرى، ثم تدريبها على الركض الخفيف بالتدرج المعقول حتى تصل إلى الركض الشديد بما يتناسب مع قدرات كل ناقة، وتستغرق هذه المرحلة نحو تسعة أشهر .

وفي نهاية هذه الفترة يتم تصنيف الإبل حسب صلاحيتها، وتبدأ عملية التدريب التي تسمى محلياً بعملية “التضمير” الذي يعني “التخسيس” في المقام الأول عادة في شهر يوليو وتستمر حتى نوفمبر،وتعقبها مرحلة “التفحيم” التي يقصد بها مجموعة من التمارين والركض لمسافات مختلفة بهدف إكتساب اللياقة والاستعداد لخوض السباقات،وفترة التفحيم قد تمتد من شهر اغسطس وحتى شهر إبريل، والتفحيم عادة يسبق إقامة السباق، حيث يتم تدريب الناقة في بادئ الأمر سيراً لمسافة 5 كيلومترات يوميا لمدة شهر، ثم إلى مسافة 7 كيلو مترات وأخيراً مسافة 10 كيلومترات لفترة معينة، بعدها تصبح الناقة جاهزة لخوض السباقات،وتختلف طريقة التضمير والتفحيم من مضمار لآخر لكن تبقى الفكرة الأساسية متشابهة بين المضمرين وهي أن يكون التمرين بالتدريج من الأسهل إلى الأصعب .

وتشتهر السلطنة بوجود مجموعة من الإبل المميزة التي يطلق عليها “الأصائل” بناء على مواصفات وخصائص معينة ارتضتها القبائل العمانية، وتأتي في مقدمة الأصائل “سمحة وعرجة وفرحة وبويضة وخميسة ومصيحة وشهبار”، ويزيد عدد الإبل بالسلطنة على 100 ألف رأس، وشهدت السنوات الأخيرة تنامي الاهتمام بتربية إبل السباق بعد ان أصبح لها دور كبير في زيادة الدخل ورفع مستوى المعيشة لفئة مربي الإبل .

النوق العُمانية

تعد سلطنة عُمان موطناً لأفضل أنواع الجمال، حيث تشتهر بجمال لونها، وبنيتها وقوتها ومقدرتها على تحمل المشاق،وتختلف عن غيرها بصغر حجمها،وخفتها،بينما يكون جبينها عريضاً، إلا أن رؤوس النوق العمانية هي بشكل عام صغيرة وبها أذنان كبيرتان .

وللنوق العمانية بيوت تنتمى إليها،فهناك مثلاً بيت “مُصيحة، سمحة، فرحة، عرجة، ظبية، الخوارة، اللسكية”، وهذه تتفرع إلى بيوت كثيرة،وتعد “مُصيحة” من أجمل أنواع النوق، حيث تمتاز بلون أحمر داكن كما تمتاز بكبر رأسها وقامتها وطول مشفرها (شفتها) الأسفل وهي علامة على أن للناقة أصلاً عريقاً .

وتشتهر نوق منطقة الباطنة بأنها الأفضل ليس في عُمان فحسب بل في شبه جزيرة العرب،إلا أن نوق منطقة الشرقية موطن فرحة هي الأخرى من أفضل الأنواع .

وتمتاز النوق العمانية الأصيلة بخطوها السريع الذي يشبه الرقص، حيث تمد الناقة رقبتها إلى الأمام وتخفضها إلى مستوى ركبتها،وتمتد الرقبة وتنحنى على إيقاع الخطو، وتعد الجمال ذات الخطو الراقص الأفضل للركوب، لأن هذا الخطو لا يؤدي إلى تمايل الراكب بل على العكس يبقيه ثابتاً في مكانه .

ومن الطريف أن الجمل يقف أو يجلس ووجهه أو مؤخرته ناحية الشمس، وذلك كي لا يعرض لأشعتها إلا جزءاً صغيراً من جسمه، وبذلك لا يعطش بسرعة، وعندما يجد الجمل مرعى خصباً يقوم بتخزين بعض الأكل في سنامه، ثم يجتر هذا الأكل وقت الحاجة إليه مما يجعله صبوراً على الجوع أيضاً .

ويكتسي الجمل في الشتاء بوبر كثيف يحميه من البرد، وتغطى بعضها بلحاف خوفاً من أن ينال منها البرد فيصيبها بالمرض،أما في الصيف – وعندما يبلغ هجير الصحراء أوجه- تجد الجمل قد تحرر من الصوف الكثيف جالساً تحت سدرة أو غافة يتظلل ويجتر ما كان قد خزنه في الصباح أو الليلة الماضية .

ولو اقترب أحد منه مدققاً النظر في رأسه لوجد الشعر يغطى فتحات أنفه وأذنيه ليقيها من الغبار الذي تأتي به الرياح، ويجد أن شفته السفلى غليظة كي تسمح له بمضغ النباتات الشوكية التي تكثر في الصحارى والسيوح (السهول الجدباء) أما شفته العليا فيفصل بين جنبيها الإيمن والإيسر شق طويل كي يتمكن الجمل من أخذ أكبر كمية من الطعام في وقت واحد، بينما تمكنه أخفافه العريضة والمرنة من المشي على الرمال والأحجار بيسر،فطبقة الجلد الغليظة على ركبه تعمل كوسادة تحميه من الأحجار عندما ينوخ (يجلس)، وعلى بطن الجمل ناحية صدره طبقة شبه دائرية الشكل من الجلد الغليظ، تعمل أيضاً كواق من الأحجار الحادة والحارة .

الجمل بالنسبة للبدوي ليس مطية فقط،فمن الناقة يأتي الحليب الذي كان الأطباء الشعبيون يصفونه كمصدر للقوة،وبناء العضلات “يشرب الحليب المذاب فيه فص ثوم على الريق لمدة شهر ثم يترك لشهر، ويجلب البدوي ناقته في الصباح الباكر قبل أن تنشر – أي تذهب للرعي- وعندما ترجع وقت الغروب يوضع الحليب في “قدر”، ويجلس أفراد العائلة في دائرة بينما يطوف القدر على كل فرد منهم .

مذاق حليب الناقة أشهى عندما يشرب بعد حلبه مباشرة، حيث يكون دافئاً في تلك الأثناء، وهو يختلف عن نظيره المحلوب من الأغنام أوالماعز أو الأبقار لكونه “حلو المذاق لأن نسبة السكر فيه أعلى”، إلا أن على من يشربه للمرة الأولى اتخاذ الحذر، حيث يتسبب شرب أكثر من كوب بإسهال قوي لذلك ينبغي التعود عليه أولاً .

ويستفيد قاطنو الصحارى من الجمال في أشياء متعددة، فلحمها يقدم في الولائم الكبيرة،ويتم ذبح الجمل عبر نحره بسكين في صدره ثم طعنه في الرقبه ثم قطع رأسه، وهي فيما يعتقد الطريقة الأسرع لذبحه .

ومن صوف الجمل تصنع الخيام وبعض مشغولات الغزل، بل وحتى “روث” الجمل ذو فائدة، حيث يُحرق للتدفئة في ليالي الشتاء الباردة،أو يقطع للعبة “الحواليس الشعبية”، أو حتى لعمليات الحساب والعد قديماً .

 

المصدر : الخليج 27 مايو 2011

Related posts