«المدواخ» ينتشر بين المواطنين ويضع المدخن على طريق التهلكة

التدخين سبب رئيسي لسرطان وأمراض الرئة وأمراض القلب والشرايين، ولكن ظن البعض أن هذه الأخطار ترتبط بالسجائر فقط، ما جعلهم يلجأون إلى التدخين بطرق أخرى اعتقاداً منهم بأنها أقل ضرراً، ومن أبرز هذه الطرق وأكثرها انتشاراً في المجتمع الإماراتي، تدخين “المدواخ”، ذاك الأنبوب الذي يشبه “البايب” لكنه أصغر حجماً، ويعد رفيقاً لمعظم المدخنين الإماراتيين، وبرغم انتشاره في أيديهم واعترافهم بتدخينه إلا أن الأمر يختلف عند الحديث عنه للصحافة، حيث هرب كثيرون من الأسئلة، ومن وافق على مضض طلب ذكر اسمه الأول فقط.

“شلة “ أصحاب

فيصل (24 عاماً) واحد من هؤلاء، كان ينظف “مدواخه” بسلك معدني صغير، قال: عرفت المدواخ منذ صغري، كنا “شلة “ أصحاب في المدرسة، نجتمع لندخن، وبالطبع لأننا كنا صغاراً لم نكن نملك المال لشراء علبة السجائر التي كانت تباع بخمس دراهم ونصف تلك الأيام، وكان المبلغ الزهيد كبيراً على طلاب لا يملكون أكثر من درهمين كمصروف مدرسة، وهذا ما جعل المدواخ البديل الجيد خاصة وأن “دبة دوخة” (قنينة مملوءة بالتبغ) كانت تباع بعشرة دراهم وتكفينا لعدة أشهر.

يتابع فيصل وهو ينفض مادة سوداء متفحمة من مدواخه: كنت في الصف الأول الإعدادي، ما يعني أن عمري لم يكن يتجاوز أحد عشر عاما، في البداية كنت أدخن بشكل منقطع وحين كبرت صار التدخين عادة عندي، وبرغم أني جربت السجائر إلا أني كنت أعود كل مرة لتدخين المدواخ.

من «التراث»

من مدخني المدواخ أيضاً راشد (23 عاماً) ، يقول ضاحكاً: ما الغريب في المدواخ، إنه من “التراث”! ، لقد كان كبار السن يدخنون المدواخ دائماً، فقبل مائة عام لم تكن السجائر قد وصلت للإمارات، وكان معظم “الشواب” يستعملون المدواخ.

يتابع راشد: كان المدواخ يصنع محلياً من حطب السدر، ولم يكن أحد يتفنن في تزيينه، لكن كان البعض يثقب من الجانب ليعلق به سلسلة صغيرة تنتهي “بمضرب الدوخة”

(وهي علبة صغيرة تملأ بالدوخة). اليوم “حتى المدواخ تطور” وصارت المداويخ تغلف بجلود صناعية تحمل شعار الماركات العالمية لتواكب الموضة.

“دوخة حارة” في ألمانيا

خليفة ( 32 عاما) من قدامى مدخني المدواخ، يقول: كنت أدخن السجائر، لكن احتراق ملابسي الدائم ورائحة السجائر المزعجة، وكذلك ضيقي من احتياجي الدائم للنيكوتين جعلني أتحول لتدخين الدواخ.

يتابع: اليوم لم أعد أحتاج لعلبة سجائر ونصف كما كنت سابقا، فأنا أكتفي بالتدخين مرات معدودة كل يوم ولا أكثر منه، لأني أعتزم الاقلاع حتى عن المدواخ.

يجد خليفة التدخين “ ابتلاء” ويقول: لا أعرف لم انجرفت في موجة التدخين، اليوم أنظر لعمري الذي سرقته السجائر مني، ولصحتي وسعالي المستمر وأشعر بالحسرة، أنا بالطبع أرغب بترك المدواخ، ولكني أود التدرج في الأمر.

يذكر خليفة قصة طريفة حصلت له، يقول: كنت في منطقة كولون الالمانية، وركبت أحد “التكاسي” وحين عرف سائق التاكسي أني من الإمارات سألني بلهفة إن كنت أملك “دوخة حارة” استغربت السؤال حتى ضحكت، وبالطبع أعطيته ما لدي وأرسلت له عدة علب بعد عودتي للإمارات مع المسافرين إلى ألمانيا.

حتى المقيمين!

ولم يقتصر الأمر على الإماراتيين فقط، رائد شاب سوري وضع في باطن كفّه حفنة من التبغ وبدأ في فحصها، ويقول: بعد أن أتسلم طلبي أحاول فحص الدوخة، مجرد وضعها على اليد والبحث عن نشارة الخشب أو الرمل أو أي إضافات، هذه المواد مؤذية وتتعب الجسد وطبعاً “تخرب طعم الدوخة”.

ويضيف رائد الذي يبلغ من العمر 24 عاماً: لم أدخن السيجارة في حياتي، لكني أدخن المدواخ، أعتقد أنه أقل ضرراً، بدأت بتدخينه قبل 4 سنوات ولم يعرف أحد من أهلي لليوم أني مدخن، أنا أرى المدواخ أكثر نظافة ولا يسبب رائحة عفنة كالسجائر، كما أنه أوفر مادياً، فهو لا يكلف أكثر من 100 درهم في الشهر بينما أسعار السجائر “خراب بيوت”.

بارد أو حار

يقف قاسم “بائع مداويخ” في محله محاطاً بلوازم التدخين، كان التبغ موضوعاً في خزانة أرضية ذات واجهة زجاجية، يقول وهو يعرض بعض مالديه من تبغ: في السابق لم تكن للتبغ أنواع كثيرة، كانت ثلاث تقسيمات رئيسية إما بارد أو وسط أو حار، وهي تسميات بحسب قوة طعم التبغ، أما اليوم فهناك أسماء مختلفة مثل خالد مكس، فتك، دوخة ايرانية، دوخة شيوخي، ودوخة خاصة وغيرها.

التسميات -كما يتابع قاسم- تختلف باختلاف المحال، فعظم المحال تقدم خلطات خاصة تساعدها على الاحتفاظ بالزبائن لأن الزبون ينجذب بطعم الدوخة أكثر من خدمة المحل، يزرع معظم التبغ محلياً في منطقة حتا والإمارات الشمالية، ويجفف ويطحن وتخلط أنواعه، فالتبغ يختلف نوعه من عشبة إلى أخرى.

التدخين والقانون

وقعت الدولة الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ عام 2005، والتي من بنودها أن يتم رصد تعاطي التبغ وسياسات الوقاية، وحماية الناس من دخان التبغ، وعرض المساعدة على الإقلاع عن تعاطي التبغ، والتحذير من أخطاره، وانفاذ الحظر على الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته.

ولتحقيق هذه الالتزامات أصدرت الدولة القانون الاتحادي لمكافحة التبغ والذي يتضمن الحماية لكافة أفراد المجتمع من أضرار التبغ، ويتضمن القانون بنواداً عديدة منها: منع بيع التبغ ومنتجاته لمن لا يتجاوز سنه (18 سنة)، منع التدخين أثناء قيادة السيارة الخاصة حال وجود طفل لا يتجاوز عمره اثنا عشر عاماً، حذر التدخين نهائياً في دور العبادة والمؤسسات التعليمية “كالجامعات والمدارس” والمنشآت الصحية والرياضية، منع بيع الحلوى وغيرها من السلع الغذائية التي تشبه التبغ أو منتجاته، حذر التدخين في وسائل النقل العامة كافة ووسائل النقل الخاصة المخصصة للنقل الجماعي، حظر تخصيص أجهزة ومعدات آلية لبيع التبغ أو منتجاته أو استعمالها داخل الدولة، تشكيل لجنة وطنية لمكافحة التبغ، غرامة الإعلان عن التبغ تتراوح ما بين مئة ألف الى مليون درهم، غرامة التدخين في الأماكن العامة وتقديم وبيع التبغ لأشخاص أقل من 18 عاماً تتراوح بين 500 درهم الى عشرة آلاف درهم، وتأتي الإجراءات الحازمة في القانون بهدف قطع الطريق على الشركات أو الأفراد الذين يحاولون تشجيع سكان الدولة وخصوصاً الجيل الشاب على التدخين.

مدواخ صيني

يقول قاسم أحد مستخدمي المدواخ وهو يشير إلى “مداويخ” بأحجام متعددة تكسوها ألوان مختلفة: كانت المداويخ القديمة تصنع محلياً، أما اليوم فإننا نستوردها من الصين، لكن هناك مجموعات خاصة تصنع محلياً بحسب الطلب، ولم يعد صانعوها إماراتيين كما في السابق، بل يصنعها عمال آسيويون باليد.

أسعار المداويخ تختلف بحسب النوع، تبدأ من 15 درهماً وتصل لعدة آلاف من الدراهم، فهناك مداويخ تصنع من العاج، وأخرى من الأصداف البحرية، وبعضها تزين بالفضة أو الذهب. يبيع قاسم لفئات مختلفة إلا المراهقين، يقول: أنا أمتنع عن بيع الدوخة لمن هم أقل من 18 عاماً بحسب القانون، وزبائني من فئات مختلفة، هناك الرجال وقلة من السيدات، والغريب أن السائحات الأجنبيات دخلن أيضا في مجال المداويخ، مؤخرا ازدادت أعداد الاجنبيات اللواتي يقصدن المحل لشراء الدوخة والمداويخ والاختيار بينها.

أرقام وأهداف

تشير دراسة لهيئة البيئة صدرت عام 2010، إلى أن نسبة المدخنين في أبوظبي تتراوح ما بين 24 – 35 % (حسب الدراسة والفئة المستهدفة) منهم 55 % يدخنون السجائر و 38 % يدخنون المدواخ و 29% يدخنون الشيشة و14 % يدخنون السيجار. كما أن نسبة الطلبة الذين جربوا التدخين حوالي 80% (المسح العالمي للصحة المدرسية 2010). من هذا المنطلق أطلقت هيئة الصحة – أبوظبي برنامج مكافحة التبغ تحت شعار “أبوظبي تقول لا للتدخين” والذي يهدف إلى وقاية الشباب “ذكور ، إناث” من استعمال التبغ بكافة أشكاله، ومساعدة المدخنين للإقلاع عن التدخين، وخلق بيئة خالية من التبغ يدعمها القانون الاتحادي لمكافحة التبغ رقم 15 / 2009. ولتحقيق هذه الأهداف تم تشكيل فريق عمل لمكافحة التبغ في إمارة أبوظبي يتألف من هيئة الأوقاف، أبوظبي للإعلام، مجلس أبوظبي للتعليم، مجلس أبوظبي الرياضي، البلدية، جهاز الرقابة الغذائية، دائرة التنمية الاقتصادية، تكاتف، الشرطة المجتمعية وهيئة البيئة.

المصدر : دنيا الاتحاد 31 مايو 2011

Related posts