مهندسات إماراتيات يطورن طائرة صغيرة للمهمات الخاصة

يرفضن تسميته ابتكاراً علمياً لوجود دراسات في حقله حول العالم وإن كانت نادرة، لكنهن يعتبرن ما توصلن إليه في عالم الطائرات ذات الدفع الرباعي، واحداً من المشاريع الرائدة التي يشار إليها بالبنان ليس على مستوى الجامعات الإماراتية فحسب، بل على مستوى الجامعات في الوطن العربي بأكمله.

صالحة المهيري وأحلام حرم وزينب عيسى ورولا حجازي أربع مهندسات متميزات تخرجن حديثاً في كلية الهندسة (قسم الهندسة الكهربائية) بجامعة الإمارات، بعد أن صممن آلية جديدة للتحكم الذاتي بالطائرة ذات الدفع الرباعي وحصدن بذلك عدة جوائز على مستوى الدولة.

تتحدث المهندسة صالحة المهيري عن فكرة المشروع وسبب اختيارهن له، وتقول:”مشروعنا هو تصميم وتحكم بطائرة ذات دفع رباعي، وتم تنفيذه كمشروع تخرج خلال مرحلة دراستنا الجامعية، وذلك بعد أن اقترحه علينا الدكتور حسن نورا الذي يتبنى دائما ويرعى مثل هذه المشاريع المهمة، نظراً لحاجتنا الماسة لمثلها، وكذلك لندرة الدراسات في هذا المجال المهم”

 

 

 

وتكمل:”الجديد في المشروع هو آلية التحكم بالطائرة ذات الدفع الرباعي، وليس ابتكار طائرة، فالطائرة متوافرة في الأسواق وتعمل بآلية تحكم عن بعد، باستخدام الريموت المتحكم عن بعد وفكرنا بالاستغناء عن هذا الريموت، من خلال استخدام برنامج صُمم في الحاسوب لنستطيع من خلاله التحكم في الطائرة، كما يستطيع البرنامج المصمَّم والمحمَّل على الطائرة ذاتها إتاحة فرصة التحكم الذاتي للطائرة، بمعنى أبسط أن على المتحكم فقط تزويد الطائرة بإحداثيات النقطة التي عليها الوصول إليها، بعدها سيعمل البرنامج الموجود في الطائرة على تحديد إحداثيات نقطة وجودها الحالية على ثلاثة محاور (العمودي والأفقي والارتفاع)، ثم ستقوم بتحديد كمية التغيير اللازم إحداثها على ثلاثة محاور ليتم الوصول إلى النقطة المراد الوصول إليها”،

ومن الجدير ذكره أن هذا المشروع قد تم العمل عليه في جامعات عالمية مختلفة، ومناقشته في رسائل دراسات عليا.

مراحل المشروع

وتخوض المهندسة أحلام حرم في مراحل المشروع الذي قمن به كفريق واحد وتقول:”في بداية المشروع خُصصت العديد من الجلسات بين أعضاء الفريق والدكتور حسن نورا لمناقشة المشروع وتحديد هدفه بوضوح، مع توضيح المسار الذي ستتجه إليه العملية التنفيذية، والذي ساعدنا فيما بعد بالسير بمنهجية ووضوح خطوة تلو الأخرى، وذلك بعد أن رسمنا خطة عمل مقرونة بجدول زمني محدد متضمنة جميع الخطوات اللازمة لإتمام المشروع، ولعل قراءة العديد من الأوراق العلمية المنشورة في مجلات عالمية ودراسة أكثر من رسالة ماجستير في هذا المجال، كانت خطوتنا الأولى التي ألممنا من خلالها بالموضوع وعرفنا آخر ما وصل إليه العلم في هذا المجال، بالإضافة إلى أننا درسنا عدة مشاريع متعلقة نوعا ما بالطائرة الرباعية، حتى تمكن الاستفادة من كافة المعلومات في المراحل اللاحقة للمشروع”.

اتجه الفريق بعد ذلك بحسب أحلام إلى دراسة أنواع الطائرات لاختيار نوعها ومكوناتها، من مجسمات ومتحكمات وما إلى ذلك، والذي تم شراؤه عبر الشبكة العنكبوتية.

إنشاء نظام خاص

وتشير المهندسة زينب عيسى إلى أنه بعد أن تم اختيار نوع الطائرة، اتجهن لإنشاء نظام رياضي خاص بها منطلقات من نقطة الصفر، ومعتمدات على العلم الرياضي وقوانين علم الجبر، حتى الوصول في النهاية إلى مجموعة معادلات رياضية خاصة بجسم الطائرة، تمكن من سرد مجموعة الثوابت والمتغيرات الخاصة بالطائرة وإيجاد قيمة كل منها، وقد قمن باستخدام عدة طرق لإيجاد قيمة المطاليب، ومنها ما تم فيه استخدام أدوات فيزيائية كالميزان لإيجاد وزن الطائرة مثلا، ومنها ما استعين فيه بمجسات عالية الحساسية كنظام التحديد المكاني والمعروف بـ (GPS) لتحديد إحداثيات الطائرة.

في الخطوة اللاحقة، تضيف زينب:”كان من المهم العمل على المتحكم والمعروف بـ (Microcontroller) وهو عبارة عن شريحة إلكترونية صغيرة جدا تحوي بداخلها كمبيوترا صغيرا، ليتم تحميل البرنامج الذي صممناه عليه، وهو بدوره يقوم بتنسيق العمل بين كافة أجزاء الطائرة بداية من محركات الدفع لديها إلى جسمها الصلب ونهاية بالمجسات، وقد تطلب الأمر منا مجهودا مضاعفا نظرا لشح المعلومات عن مثل هذه الشرائح المتطورة”.

تركيب المجسات

المهندسة رولا حجازي توضح المراحل الأخرى من المشروع قائلة:”قمنا بدراسة أنواع مختلفة من الحساسات (sensors) لتحديد النوع المناسب للمشروع، وفي النهاية اختيرت خمسة أنواع مختلفة من المجسات أو الحساسات لقياس كافة المتغيرات التي تتحكم بحركة الطائرة، وهذه المتغيرات هي العجلة على المحاور الثلاثة (x, y ,z) والحسّاس المسؤول لقياسها باستمرار وهو (accelerometer)، كذلك اختير حساس قياس الضغط (pressure sensor) لقياس ارتفاع الطائرة عن الأرض، وأيضاً لمعرفة اتجاه الطائرة اختير الـ (gyroscope) لقياس زوايا الاتجاه الثلاث. كذلك قمنا باختيار نوع دقيق من نظام تحديد المواقع (GPS) لتحديد وقياس إحداثيات المكان (خطوط الطول و دوائر العرض)، كما كان من المهم في هذه المرحلة التعرف إلى نوع التوصيل الذي سيتم بين جهاز الحاسوب المتحكم والطائرة، وكجميع مراحل المشروع فقد تمت دراسة عدة أنواع من الأجهزة ذات الاختصاص ليستقر الأمر على اختيار نوع محدد يعرف بـ (XBee) وهو عبارة عن شريحتين إلكترونيتين توصل إحداهما في الحاسب الآلي والأخرى في الطائرة، ليتم الارسال والاستقبال من كلتيهما لاسلكيا، لنصل في النهاية إلى نظام متكامل من حيث المعدات، بعدها بدأت المرحلة الأهم وهي تصميم البرنامج الذي سيحوي وينسق بين كل هذه الأجزاء ليتم تحميله لاحقاً على المتحكم الخاص بالطائرة، وقد تم البدء في هذه المرحلة بقراءة العديد من الأوراق البحثية في هذا المجال للوصول إلى أحدث وأفضل الطرق بالنسبة للمشروع، ليتم بعدها استخدام برمجية الـ (Matlab) وهي برمجية رياضية تمت الاستفادة منها في تصميم البرنامج، ونظراً لصعوبة تصميم البرنامج وكثرة المعدات الواجب توصيلها وتنسيقها معاً ونظرا إلى ضيق الوقت، خصوصا أن المشروع كان ضمن مرحلة الدراسة الجامعية، فلم يتم إكمال كافة مراحل البرنامج، وإنما أنجزنا أولى مراحله وتمت تجربتها على المعدات بنجاح”.

الأدوات المستعملة

أما بالنسبة للأدوات التي استخدمنها في مشروعهن، فهي طائرة ذات دفع رباعي وبعض المجسات الحركية والمتحكم ونظام توصيل لا سلكي، وتتميز الطائرة بأنها صغيرة الحجم وزنها يصل إلى 750 جراماً فقط تستطيع الطيران بعد شحنها تماما لمدة 20 دقيقة متواصلة، وباستطاعتها حمل ما يصل إلى 500 جرام فقط بمعنى أنها ليست لنقل الركاب بل طائرة تطير من غير حاجة لطيّار يتحكم بها، ودور المهندسات تجلى في تصميم طيّار آلي يتحكم بدقة بحركة هذه الطائرة، وذلك عبر البرنامج الذي تحدثن عنه سابقاً.

استعمالات الطائرة

استحداث المهندسات لطريقة جديدة توفر الوقت والجهد في التحكم بطائرة ذات دفع رباعي، يفيد في استخدامها في تطبيقات عملية حياتية حساسة وهامة، تذكر المهندسة صالحة المهيري أمثلة منها:”لو اشتكت شركة لإنتاج الغاز الطبيعي من تسرب في أحد أنابيب الغاز الموجودة في مكان يتعذر الوصول إليه بشرياً، فيمكن أن ترسل الشركة الطائرة لقياس ضغط الغاز على طول الأنبوب للتأكد من حدوث المشكلة، ويمكن استخدام هذه الطائرة في قياس التسرب الإشعاعي كما حدث في محطة فوكوشيما النووية في اليابان، وذلك بتزويد الطائرة بحسّاس مسؤول عن قياس درجة الإشعاع بدلاً من بعث أحد العمال إلى الموقع وتعريض حياته للخطر، بالإضافة إلى أنه يمكن أن تستفيد الشرطة من هذه الطائرة عبر إرسالها لتحديد موقع حادث أو مراقبة موقع جريمة مشتبه به بعد برمجتها لذلك”.

صعوبات العمل

وتجزم المهندسات بأن أصعب المراحل التي مر بها مشروعهن كان آخرها، حيث أن هدف المشروع كان أكبر من أن يكون مجرد مشروع تخرج، ومع ضيق الوقت وضخامة المشروع وتقدم مراحله أصبح الوضع يزداد صعوبة، خاصة بعد وصولهن إلى مرحلة تصميم البرنامج المتعلق بتنسيق العمل بين كافة أجزاء الطائرة، بالإضافة إلى شح المعلومات المتعلقة ببعض الأجزاء المستخدمة في تنفيذ المشروع كالمتحكم، حيث أن شريحة المتحكم المستخدمة في المشروع تعتبر من الجيل المتقدم في هذا الاختصاص، وحجم الأعمال العالمية المتوافرة في هذا المجال كانت شحيحة إلى حين عملهم عليها، وتأخر وصول بقية أجزاء الطائرة كالمجسات من خارج الدولة إضافة إلى الصعوبات الأخرى.

شاركت المهندسات بمشروعهن في المؤتمر السابع للميكاترونيكس وتطبيقاته في الجامعة الأميركية في الشارقة لعام 2010، وحصلن على المركز الثاني فيه على الرغم من أنهن كن لا يزلن في المراحل الأولى من تنفيذ المشروع، وشاركن في معرض ومؤتمر الدفاع الدولي آيدكس الذي غادرنا في فبراير الماضي من هذا العام، ولهن مشاركة أخرى قريبة العهد كانت في اليوم المفتوح للهندسة الكهربائية في جامعة الإمارات في شهر أبريل الماضي، وحصلن خلاله على المركز الثاني في مسابقة مشاريع التخرج الخاصة بالجامعة.

تطوير الفكرة

وحول إمكانية تطوير طائرة الدفع الرباعي تقول المهندسات:”المشروع لم ينته وإنما هو بحاجة إلى متابعة حتى نستطيع تحقيق الهدف النهائي منه، وكم نتمنى أن نجتمع من جديد لإكماله، ولكن بعد تخرجنا صار لكل منا مشاغله وحياته الخاصة. ومع ذلك حتى لو حققنا الهدف الأخير للمشروع وحصلنا على طائرة ذات دفع رباعي متحكمة ذاتياً بنفسها، فإن المشروع يكون قد رسخ حجر الأساس فقط في هذا الحقل الضخم من العلوم، بعد برمجة الطائرة لتستطيع التحكم بنفسها ذاتيا، ونصل إلى المرحلة الثانية بعدها، وهي تزويد الطائرة بالمعدات المختلفة لاستخدامها في مختلف التطبيقات العملية الممكنة”.

ومن الجدير ذكره أن شرطة أبوظبي ومؤسسة أبوظبي للأنظمة المتمتعة بالتحكم الذاتي (ADASI)، تكفلت بتكاليف مشروع المهندسات سالف الذكر، نظرا لإيمان هاتين المؤسستين بأهمية المشروع وضرورة دعم طموحات الشباب.

المصدر : الاتحاد 6 يونيو 2011

Related posts