مدارسنا الأكثر في العالم هدراً للوقت والموارد التعليمية

يكتسي التعليم في دولة الإمارات أهمية كبرى، إذ يأتي على سلم الأولويات الاتحادية، ما ترجم على أرض الواقع بديمومة من التطوير ارتبطت بمجموعة من المبادرات وخطط استراتيجية طالت مختلف نواحي العملية التعليمية، للتوصل إلى مستوى التنافسية العالمية، التي تتطلب بناء نظام تعليمي، تتضافر مكوناته من مناهج وأطر إدارية وتقويمية للنهوض به، ضمن مفاضلة دقيقة بين نوعية النظام وكمية الأيام الدراسية، التي اعتمدت عليها دول متقدمة، جاعلة منها حجر الأساس لإعادة هيكلة نظمها التعليمية، لتنجح خلال فترة قصيرة بتبوؤ أعلى المراتب العالمية من ناحية كفاءتها التربوية .

عمليات التطوير للنظام التعليمي الإماراتي طالت مؤخراً مختلف جوانبه، حتى إنه يمكن القول إنه ما من شيء إلا وطالته عجلة التطوير، وعلى الرغم من ذلك لا يزال المستوى دون المأمول، مع تبلور حقيقة أن مؤسساتنا التربوية تعتبر واحدة من أكثر مؤسسات العالم المثيلة لها هدراً للوقت والموارد التعليمية، في ظل فترات الانقطاع الطويلة التي تشهدها السنة الدراسية بفعل الإجازات الكثيرة والعطل، فضلاً عن النظام الامتحاني الذي يستنزف 30 يوماً من طلبة الثانوية العامة بواقع 10 أيام امتحانية لكل فصل، وما يرتبط بذلك من التغيب المتعمد بحجة التحضير .

ففي حين يفترض أن يبلغ مجموع أيام الدراسة في الإمارات 180 يوماً، تثبت الحقائق أن الوصول إلى ذلك الرقم بات مستحيلا بعد أن ارتأت وزارة التربية والتعليم اقتطاع 10 أيام من كل فصل لخوض الاختبارات الفصلية لطلبة الثانوية العامة بما مجموعه 30 يوماً، ناهيك عن تهديد أيام العطل الرسمية والأعياد بتقلص العام الدراسي إلى 174 يوماً، بعد أن عرف عام 2011 إجازات عيد الاضحى المبارك أيام السبت والأحد والاثنين والثلاثاء الموافقة من 5 إلى 8 نوفمبر، وترحيل إجازة رأس السنة الهجرية من السبت الموافق 26 نوفمبر إلى الخميس 1 ديسمبر، فيما يشهد عام 2012 إجازتى المولد النبوي الشريف 2 مايو، والإسراء والمعراج 17 يونيو، واللتين تصادفا أيام الاثنين، ليكون بذلك عدد أيام الإجازات الرسمية التي تصادف أياماً دراسية ،6 ما يعني أن مدارسنا تظل خاوية ومعلمينا في حالة بطالة مقنعة لمدة 191 يوماً في العام .

وعلى الرغم من أن دولة الإمارات تعتبر واحدة من أقل دول العالم من حيث عدد أيام التمدرس، إلا أن عامها الدراسي بالمجمل يعتبر واحداً من الاطول عالمياً، على اعتبار أنه يبدأ في 11 سبتمبر وينتهي في 15 يوليو، في ظل كثرة العطل التي تلي نهاية كل فصل دراسي .

وفي الوقت الذي تتفاوت فيه عدد أيام الدراسة بين دولة وأخرى، نرى أن مسألة الكمية لا تعتبر ضامناً رئيسياً لتميز الدول تربوياً، حيث لا تعتبر مفصلاً رئيسياً، بعد أن تمكنت بعض الدول، وعلى رأسها فنلندا من التربع على عرش التعليم العالمي ب 187 يوماً، ما يفتح الباب بمصراعيه أمام جدلية الكمية والنوعية التعليمية .

حين أطلقت الوثيقة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة لعام ،2021 شخصت عيون جميع المراقبين من سياسيين ومهتمين في الدولة نحو التعليم، والمستوى الذي سيكون عليه خلال السنوات المقبلة، فجاءت استراتيجية وزارة التربية والتعليم 2010-2020 بهدف تأهيل الطالب وتسليحه بمعارف ومهارات متوازنة، ليصبح قادراً على تحقيق طموحات شعبه، وعملت على تطوير التعليم عبر إيجاد أفضل السبل، إستناداً إلى مقارنة علمية مع دول عالمية، فتناولت عدد الساعات المخصصة للدراسة بالتفصيل، وقارنتها مع مختلف دول العالم وأكدت وجوب القيام بالمزيد من المبادرات على هذا الصعيد للوصول إلى متوسط أفضل .

وقسمت الاستراتيجية الوقت المخصص للتدريس إلى ثلاثة أقسام، الأول حسب الساعات المخصصة للتدريس في العام والثانية حسب عدد الأيام الدراسية، والثالث حسب عدد الساعات المخصصة للتدريس في كل يوم .

وأشارت إلى أن الدول التي تعتبر ضمن المتوسط في عدد الساعات المخصصة للتدريس من كل عام هي، اليونان ب 1330 ساعة، وتشيلي ب 1210 ساعات، والمكسيك ب 1424 ساعة، والمجر ب 1106 ساعات، وإيطاليا ب 1089 ساعة، والنمسا ب 1050 ساعة، وأستراليا ب 1024 ساعة، وكوريا ب 1020 ساعة، فنيوزيلندا ب 985 ساعة، والبرتغال ب 980 ساعة، وإسبانيا ب 979 ساعة .

وجاءت دولة الإمارات ضمن الخانة الأقل من المتوسط في ما يتعلق بعدد الساعات المخصصة للتدريس في كل عام، وجاءت حسب الجدول تشيكيا ب 960 ساعة، وإنجلترا ب 950 ساعة، وبلجيكا ب 949 ساعة، والإمارات ب 927 ساعة، وفنلندا ب 919 ساعة، وسلوفينيا ب 908 ساعات، والدنمارك وألمانيا ب 900 ساعة، وإيرلندا ب 891 ساعة، وايسلندا ب 888 ساعة، والنرويج ب 858 ساعة،، ولوكسبورج ب 750 ساعة .

كما احتلت الدولة مرتبة دون المتوسط من ناحية عدد الأيام المخصصة للتدريس في كل عام، حتى بعد التعديل الأخير وزيادة الأيام، وحسب الاستراتيجية، فقد جاءت كوريا الجنوبية في المرتبة الأولى ب 204 أيام دراسية، فالدنمارك ب 200 يوم، وأستراليا ب ،198 وتشيكيا ب ،194 وألمانيا ب ،193 فتشيلي وسلوفينيا ب ،192 ونيوزلندا وإنجلترا والنرويج ب ،190 وفنلندا ب ،187 واليونان والمجر ب ،185 فالإمارات ب 180 يوماً، والنمسا ب ،180 فبلجيكا ب ،178 وأستونيا وآيسلندا ب ،175 والمكسيك والبرتغال ب ،172 وإسبانيا ب ،171 وإيطاليا وإيرلندا ب ،167 ولكسمبورغ ب 157 يوماً .

فيما احتلت، من ناحية عدد الساعات المخصصة للتدريس في اليوم، مرتبة فوق المتوسط، وجاءت حسب الترتيب اليابان في المرتبة الأولى ب 8 ساعات، فاليونان ب 2 .7 ساعة، يليهما المكسيك وإيطاليا ب 05 .6 ساعة، وتشيلي ب 3 .6 ساعة، فالمجر ب 6 ساعات، والإمارات ب 8 .5 ساعة، فإسبانيا والبرتغال ب 7 .5 ساعة، وإيرلندا وبلجيكا ب 3 .5 ساعة، فأستراليا ب 2 .5 ساعة، وآيسلندا ب 1 .5 ساعة، فكوريا وإنجلترا ب 5 ساعات، وتشيكيا وفنلندا ب 9 .4 ساعة، فأستونيا ب 8 .4 ساعة، وسلوفينيا وألمانيا ب 7 .4 ساعة، والدنمارك والنرويج ولوكسمبورج ب 4 .3 ساعة دراسية في اليوم .

إلا أن جميع هذه الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالنظام التعليمي داخل دولة الإمارات تعتبر بحكم الميتة وتفتقد الواقعية، إذا أخذنا الكم الكبير من العطل التي يصادف مجيؤها أيام الدوام المدرسي، فضلاً عن النظام الامتحاني، الذي كما اشرنا، سيأتي على 30 يوماً دراسياً .

إجازات مبالغ بها

وتعتبر الإجازة المدرسية التي تلي نهاية كل فصل دراسي ضرورة لاسترجاع الطلبة والعاملين في الميدان التربوي أنفاسهم، والعودة إلى مقاعد الدراسة بدماء جديدة، متحلين بالنشاط، بعد فترة من الالتزام والجد، فيما لا تعتبر كذلك في حال وصل عدد أيامها إلى نصف عدد أيام التمدرس خلال ذلك الفصل .

في 11 سبتمبر الماضي، بدأ الطلبة دوامهم في رياض الأطفال ومرحلتي التعليم الأساسي والثانوي، وفي 18 ديسمبر/ كانون الأول بدأت إجازة نهاية الفصل الدراسي الأول، ليكون بذلك عدد أيام هذا الفصل 98 يوماً، 34 يوماً صادفت أيام جمع وسبت، و10 أيام لخوض الامتحانات، ناهيك عن 4 أيام كإجازات رسمية، ليبلغ بذلك عدد أيام التمدرس خلاله 50 يوماً، نال على إثرها الطلبة إجازة فصلية من 21 يوماً .

فيما يبدأ الفصل الدراسي الثاني في 8 يناير/ كانون الثاني المقبل ويستمر لغاية 25 مارس/ آذار، ليبلغ بذلك عدد أيامه 76 يوماً، 22 يوماً تصادف أيام جمع وسبت، و10 أيام كما جرت العادة لخوض الامتحانات، ليبلغ بذلك عدد أيام التمدرس خلاله 44 يوماً، ينال على إثرها الطلبة إجازة فصلية من 14 يوماً .

في حين يمتد الفصل الدراسي الثالث من 8 إبريل/ نيسان إلى 15 يوليو/ تموز، ليبلغ بذلك عدد أيامه 98 يوماً، 28 يوماً تصادف أيام جمع وسبت، و10 أيام لخوض الامتحانات و8 للإعادة، دون تعداد أيام الإجازات، ليبلغ بذلك عدد أيام التمدرس خلاله 52 يوماً .

جميع هذه المعطيات ألقت بكاهلها على طول العام الدراسي الحالي، لتجعل منه الأقصر في الدول العربية من ناحية عدد أيام التمدرس والأطول من ناحية إجمالي مدته، ما دفع مديري عدد من المناطق التعليمية إلى التأكيد على ضرورة إعادة النظر في بنية العام الدراسي، ومحاولة الحد من عدد أيام الإجازات الطويلة التي تستنزف السنة الدراسية للحد من هدر الموارد التعليمية .

عامل سلبي

وقال سعيد الكعبي، مدير منطقة الشارقة التعليمية، إن عدد أيام التمدرس تعتبر غير كافية، وهي عامل سلبي في تطوير دفة التعليم، حيث من غير المقبول اقتطاع 30 يوماً سنوياً لخوض الاختبارات، مع العلم أن الطلبة غالبا ما يعمدون إلى الغياب قبلها بأسبوع للتحضير والاستعداد، ما يقلص أيام التمدرس إلى ما دون 150 يوماً .

وأضاف أن بناء نظام دراسي متميز يتطلب إعادة النظر في أيام الدراسة والمناهج التي تعتبر حجر الأساس، وهنا من الخطأ المقارنة بين نظامنا التعليمي ونظم أخرى حيث إن لكل منها حيثياته، وإذا كانت دولة كفنلندة قد تميزت بعدد أيام دراسية تبلغ المستوى المتوسط، فإن دولاً أخرى تميزت أيضا بعدد أيام دراسية تقل عن ذلك .

وأوضح الكعبي أن الطالب يستنزف وقتاً كبيراً للعودة إلى أيام الدراسة بعد الإجازات الطويلة، داعياً إلى ضرورة إلغاء امتحانات الفصل الدراسي الثاني، والاستعاضة عنها بتكليف الطلبة بإنجاز بحوث، لاستثمار الأيام في الدراسة، فضلاً عن كون الإجازات الطويلة تعتبر هدراً للوقت والموارد التعليمية .

تحصيل الطالب

من جهته، قال مبارك مطر نائب مدير منطقة أم القيوين التعليمية إن كثرة الإجازات تضر بتحصيل الطلبة العلمي، كما أنها تستنزف عدد أيام العام الدراسي، وتطيله من غير داع .

وأضاف أنه على وزارة التربية والتعليم عدم تضمين الامتحانات في عدد أيام التمدرس، فضلاً عن إعادة النظر في الإجازات الفصلية، حيث إن إجازة الفصل الدراسي الأول تعتبر غير مقبولة، فمن غير المعقول أن يكافئ الطالب ب 21 يوماً إجازة على 54 يوماً دراسياً، مؤكداً أن الإجازات الطويلة تعتبر هدراً للوقت والموارد التعليمية .

إقرار تربوي

بالاقتراب إلى رأي الميدان التربوي وخصوصاً الإدارات المدرسية، نجد أن ثمة اتفاقا وان لم يكن مطلقا، على طول الإجازات المدرسية، وتجردها من كل فائدة، وافتقارها للخطط والبرامج الكفيلة بعدم فصلها عن جسم التعليم وأهدافه، في وقت طالبوا فيه باختزال عدد أيامها لصالح الأيام الدراسية التي قالوا عنها إنها قليلة قياساً بطول المناهج، وكثرة الإجازات والغيابات، بالتوازي مع مطالبتهم بضرورة إعادة النظر في تقسيم العام الدراسي وإعادة ترتيب الإجازات فيه، وإحداث رزمة تغييرات على طرق وأساليب التعليم بما يخنق “الأساليب النمطية والتقليدية المتبعة الآن والمعجونة بكل نكهات الكسل والملل والخمول” .

وترى نسيم عيسى حميد، مديرة مدرسة خديجة للتعليم الأساسي، أن عدد الأيام الدراسية كاف، إذا ما سلم من الإجازات الطارئة، والغيابات التي باتت ظاهرة تحتاج لإشعال كل الأضواء الحمر، وتشمير السواعد لمحاربتها بشتى الطرق، خصوصاً أن الطلبة ومن ورائهم أولياء أمورهم باتوا يفرضون واقعاً على المدارس لا هروب منه، نتيجة عدم الالتزام بالحضور قبل وبعد العطلات الرسمية، وكأن الأيام التي تسبق وتلي الإجازات دخلت “قسراً” ضمن حدود الإجازة، ما يؤكد حقيقة مدارسنا الأكثر في العالم هدراً للوقت والموارد التعليمية .

وأكدت أن الخطط الدراسية التي يضعها المعلمون في بداية كل فصل، تتأثر بشكل مباشر من جراء كثرة الإجازات والغيابات التي تقلب الحسابات والتوقعات رأسا على عقب، وتحدث تشققات في جدر تلك الخطط، التي يدفع الطلبة أنفسهم ثمن “ترميمها”، عندما يلجأ المعلمون إلى “سلق المنهاج” والمرور عليه مرور الكرام، طمعاً في إنهاء دروسه قبل نهاية الفصل، بصرف النظر إن كانوا قد استفادوا شيئاً من دراستهم أم لا .

وأوضحت أن ثقافة الغيابات المتكررة بين أوساط الطلبة، باتت ثقافة مجتمع بأكمله، ينطلق علاجها من الأسرة التي أشعلت فتيلها عندما سمحت لأبنائها بالغياب وتساهلت معهم، وسارت في طريق حججهم وتبريراتهم .

وترى مديرة مدرسة خديجة للتعليم الأساسي أن عدد الأيام الدراسية قليلة، في مقابل طول العطل، التي دعت إلى اختصار أيامها بنسبة تقترب من النصف، مشيرة إلى أن إجازة الفصل الأول يمكن اختصارها إلى 10 أيام أو أسبوعين فقط بدل 3 أسابيع، ثم اختزال أسبوع آخر من إجازة الفصل الثاني، واستثمارها لخدمة المنهاج، ومنح الطلبة مزيداً من الوقت لفهم دروسهم، ومراجعتها مع معلميهم .

وقالت: “أنا مع زيادة أيام الدراسة الفعلية، ومع إعادة النظر في مسألة توقيت الإجازات، وتحديدها بما يراعي المناسبات الدينية، وبما ينسجم مع طقس الإمارات، إضافة إلى مواءمتها مع عطل الجامعات لخدمة الأسر التي لديها طلبة في المؤسستين” .

بدرية أحمد الحمادي، مديرة مدرسة الحسن البصري، تتفق مع جميع النقاط التي طرحتها نسيم، وقالت إن طول الإجازات يتناسب عكسياً مع أداء المعلمين وتحصيل الطلبة الأكاديمي، مؤكدة أن الحبال التي تربط الطلبة بمدارسهم ودروسهم تضعف وترتخي، نتيجة غيابهم الطويل عن مقاعد الدراسة أثناء العطل .

وترى بدرية أن ثمة حاجة لزيادة عدد الأيام الدراسية خصوصاً أن مواد مثل الرياضيات والعربي لا تكفيها المدة الحالية لإنهاء ومناقشة دروسها، فتحدث حالة من الضغط النفسي والإرباك، عند أركان العملية التعليمية، في نهاية كل فصل لتحقيق ذلك .

كلثم الغويص، مديرة مدرسة مشيرف النموذجية، لا ترى حاجة لإجراء أية تعديلات على أيام الدوام، التي اكدت انها كافية، قياسا باليوم الدراسي “الطويل”، ولاعتبارات الطقس في الإمارات، رافضة فكرة المقارنة بين طول العام الدراسي في الدولة مع الدول الأخرى التي قالت إن لديها أسلوباً تعليمياً مختلفاً يتكئ على الجانب العملي التطبيقي البعيد عن الروتين والتلقين .

الفصل الأول

ويرى أحمد عبدالحميد اليحيى، مدير مدرسة النعمان بن بشير، أنه لا بد من اختصار الإجازات، واستثمار أسبوعين من عطلتي الفصلين الأول والثاني، واستغلال الطقس البارد للتدريس، على أن يكون هناك إعادة نظر في توقيت بداية ونهاية العام الدراسي بحيث تستبعد الدراسة في الأيام الحارة . ودعا اليحيى إلى تمديد الفصل الأول مدة أسبوعين لأنه يصادف الكثير من الإجازات التي تحدث خلخلة في الخطط الدراسية وتتسبب بحالة من الصراع مع الوقت لإنهاء المنهاج .

أولياء أمور

وعلى الرغم من أن أولياء الأمور “آخر هم وزارة التربية والتعليم، ورأيهم “تكملة عدد” كما يرى الكثير من المراقبين التربويين في الدولة، فإن ذلك لا يمنع من الاستماع إلى آرائهم، كيف لا وإنهم يشكلون أحد أركان نظام التعليم الأساسية، وحاضنة لا تقل شأناً عن المدرسة، فما هو رأيهم بمدد الإجازات، وكيف يتعاملون معها، وما هي انطباعاتهم عنها، وكيف ينظرون إلى طول العام الدراسي والمناهج والغيابات، ثم ما هي مقترحاتهم .

فاطمة خلف موظفة في سلك التربية، وولية أمر طلبة في الجامعات والمدارس، أبدت انزعاجاً مفرطاً من طول الإجازات التي قالت عنها إنها ليست ذا فائدة، بل إن سلبياتها أكثر من إيجابياتها، ودعت إلى اختزالها، واستثمار أيامها في تعليم الطلبة وإنهاء مناهجهم بتأنّ، دون ضغط .

وذكرت فاطمة خلف أن عدد أيام الدراسة قليل، ويحتاج إلى إعادة نظر، خصوصاً بعد تفاقم مشكلة الغياب قبل وبعد الإجازة القانونية، والتي أصبحت ثقافة وأمراً محتوماً عند الكثير من الأسر .

أحلام البدور موظفة في وزارة التربية وولية أمر، تتفق أن طول الإجازات المدرسية بلا فائدة، وأن سلبياتها أكثر من إيجابياتها على اعتبار أن الطلبة لا يستثمرون إجازاتهم لا في القراءة، ولا في عمل المشاريع والأبحاث، في ظل غياب الأنشطة المنهجية واللامنهجية لوزارة التربية والتعليم، وضعف اهتمام مؤسسات المجتمع المدني بالطلبة أثناء عطلتهم .

وتساءلت: “ما المانع من اعادة تغيير مواعيد الدوام والإجازات لاستغلال فترة الطقس البارد في الإمارات في الدوام المدرسي، مقابل تقليص الدوام في فصل الصيف الحارق الذي يشهد خمولاً ومللاً وكسلاً عند الطلبة” .

الدوام والأمن

الشرطة حاولت الوقوف على “الأعراف”، وتبنت رأياً وسطياً، بشأن طول العام الدراسي، فلم تؤيد طول الإجازات، ولم تقف ضده، لكنها أكدت أهمية إيجاد الخطط والبرامج الكفيلة ببسط الأمن والنظام، لا سيما أثناء العطلات، والوقاية من جرائم الأحداث والمخالفات المرورية الناتجة عن القيادة بطيش وتهور، ودون رخصة قيادة، وما يتصل بها من خطورة على حياتهم وحياة الآخرين .

العقيد علي سعيد المطروشي مدير إدارة المراكز في القيادة العامة لشرطة عجمان تساءل: “لماذا نحكم على الإجازات بأنها طويلة، ولماذا نتحدث عن وجود خطر من بقاء الطلبة بعيدين عن مدارسهم، في الوقت الذي باتت تظهر فيه بعض السلوكيات السلبية مثل تعاطي البعض حبوب المخدرات واللبان والنسوار، والتدخين، وغيرها، على الرغم من أن الأسرة لا تسمح لأبنائها بذلك، وتسعى لاحتضانهم وحمايتهم خلال العطل، وتحرص على الذهاب بهم إلى العمرة، والسفر بشكل جماعي بعيداً عن أخطار الصحبة السيئة” .

نسبة وتناسب

من جهتهم، أكد خبراء نفسيون وتربويون أن كثرة الإجازات الطويلة تضر بتحصيل الطلبة العلمي لكونها تؤدي إلى إدمان الطالب على الإنترنت، بالإضافة إلى إصابته بالخمول والبلادة .

الدكتور النفسي محمد عبدالله، قال إن مفهوم العطلات هو الاحتياج إلى الراحة بعيدا عن العمل أو الدراسة لاستعادة النشاط مرة أخرى، وينبغى أن تتناسب فترات الراحة مع حجم الجهد المبذول، فإذا زادت فترة الإجازات، التى عادة لا يتم فيها تشغيل الفكر بالشكل المعتاد طوال العام، فإن ذلك يؤدى إلى الخمول وقلة الكفاءة . وطالب بألا تتعدى مدة عطلة نهاية العام بالنسبة للطلبة شهراً واحداً فقط، خاصة أن مفهوم الإجازة لدى البعض خاطىء، إذ يلجأ الأهالي إلى التلفزيون والإنترنت وألعاب ال”بلاى ستيشن” لإلهاء أطفالهم طوال ساعات اليوم، وهو ما يكون له بالغ الضرر على عقل الطفل ويسبب له مرض “الإدمان الإلكتروني”، حيث يصاب الطفل بالبلادة من كثرة التعامل مع الآلة، بالإضافة إلى شعوره بعدم احتياجه إلى التعامل مع الآخرين واكتفائه بالألعاب فقط، ويترتب على ذلك زيادة نسبة العنف بين الأطفال .

وترى الخبيرة التربوية، الدكتورة علياء إبراهيم، أن الحديث عن طول وقصر العام الدراسي بلغة الرقم والكم لا يجدي نفعا إن لم يقترن بتغييرات جدية في الأساليب التدريسية، وفي ثقافة الغيابات واستثمار الإجازات . وقالت: “الأيام الدراسية الحالية تصبح كافية إذا قضينا على ظاهرة الغياب، وغيرنا الأساليب التدريسية التقليدية، وشجعنا الطلبة على الإبداع والمشاركة في العملية التعليمية، واستغلال إجازاتهم بما يخدم العملية التعليمية، لكن أن نطالب بزيادة عدد الأيام الدراسية، وإطالة اليوم الدراسي، مع بقاء الوضع على ما هو عليه فان ذلك لن يطرح ثماراً ناضجة، ولن نتقدم أي خطوة إلى الأمام، لأن الدول التي لديها عام دراسي طويل، لديها في المقابل بيئة مدرسية جاذبة، وأساليب تعليمية خلاقة، ولا يوجد فيها طلبة يشترون أبحاثاً جاهزة بدون مشاركة فيها” .

وأكدت الخبيرة التربوية أن المناهج الحالية لا تأخذ حقها من التدريس والمناقشة . محذرة من خطورة عدم التخطيط للإجازات التي وصفتها بأنها طويلة، ولا جدوى منها في ظل المعطيات الحالية .

وتساءلت: ما الفائدة من الإجازات الطويلة، دون أن نوفر للطلبة ولأهاليهم برامج وخططاً لكيفية قضائها، خصوصاً أن هناك أسراً غير واعية وأخرى غير ميسورة، لا تعرف كيف تستغل إجازات أبنائها بما هو نافع ومفيد؟ ولماذا هذا التساهل مع الطلبة الذين يغيبون كثيراً أثناء الدوام؟ ولماذا لا تسير عجلة التعليم في الأيام التي يكون فيها حضور الطلبة ضعيفاً خصوصاً في الأيام التي تسبق وتلي الإجازات الرسمية؟ أليس ضرباً من هدر الوقت قضاء الإجازة دون منفعة وأهداف مسبقة؟

مغير الخييلي: زيادة ساعات الدراسة بدأت تجني ثمارها

قال الدكتور مغير خميس الخييلي مدير عام مجلس ابوظبي للتعليم إن المستجدات العالمية والتحولات الاقتصادية وظهور الأساليب الجديدة في مجالات الإنتاج المختلفة، وزيادة شدة المنافسة بين شتى الدول، أدى إلى زيادة الحرص على الارتقاء بجودة التعليم، وتحقيق تكافؤ الفرص في توفيره، وفي هذا الإطار جاء مفهوم التعليم للتميز، الذي أصبح أحد مفاتيح القرن الحادي والعشرين في عالم سريع التغير، والتميز بهذه الصورة يقترب من الإبداع الذي ننشده لتكوين جيل مبدع يبتعد عن آليات الحفظ والتلقين .

وأشار إلى أن المجلس عمد إلى زيادة عدد الساعات التي تدرس بالمدارس من 750 ساعة، إلى 1200 ساعة ورفع أيام الدراسة من 145 يوماً ليصل إلى 180 يوماً، في إطار سعيه لمواصلة خطة تطوير المرحلة الثانوية، التي أطلقها في العام الدراسي الماضي ضمن استراتيجيته الجديدة لتطوير التعليم في إمارة أبوظبي .

وقال إنه من خلال التوجه الذي تطبقه مدارس أبوظبي ضمن سياسة تطوير التعليم في الإمارة، ومن ضمنها زيادة الحصص الأسبوعية، يتضح لنا حجم التطور في أداء الطلبة على مستوى إمارة أبوظبي، خاصة في المواد الأساسية كالرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية واللغة العربية، وذلك على مستوى مختلف المراحل .

وأوضح أن ذلك التوجه بدأ جني ثماره، حيث إن نسبة الطلبة الذين كانوا يلتحقون بمؤسسات التعليم العالي من طلبة الثانوية العامة دون المرور بالسنة التأهيلية في أبوظبي كانت في عام 2007/2008 تقدر ب (3%) طبقاً لنتائجهم في اختبارات “سيبا الإنجليزية”، ووصلت في العام الدراسي الماضي إلى (10%)، ويعود ذلك نتيجة زيادة حصص المواد الأساسية منها اللغة الإنجليزية وتدريس هذه المادة من خلال معلمين أجانب باعتبارها لغتهم الأم .

طلبة اليابان بين الكم المعرفي وثقل العبء الدراسي

يختلف نظام السنة الدراسية في اليابان عن معظم دول العالم، حيث تبدأ الدراسة في الأول من شهر إبريل وتنتهي في 31 مارس من العام التالي، ويبدأ اليوم الدراسي عادة للطلاب من الساعة 8 صباحاً حتى الساعة 4 تقريباً، أما المعلمون فعملهم حتى الساعة ،5 ولكنهم يظلون في عملهم حتى 6 و7 مساء، إضافة إلى ذلك تقل عدد العطلات التي تنقسم إلى عطلة الربيع والتي لا تزيد على 10 أيام، وكذلك نفس المدة لعطلة بداية السنة الميلادية، ثم العطلة الصيفية التي تتراوح من 40 يوماً حتى الشهر والنصف .

وعلاوة على ذلك يقوم طلاب المدارس بالذهاب إلى المدرسة أثناء العطلة الصيفية لبعض الأيام تبعاً لبرنامج محدد مسبقاً، بالإضافة إلى تكليفهم بالقيام بواجبات ومشروعات تتطلب منهم جهداً ليس بالقليل أثناء العطلة، كما يمارسون طوال العطلة نشاطات رياضية مثل السباحة وغيرها بالمدرسة بشكل منتظم حسب برنامج العطلة المحدد مسبقاً من قبل المدرسة .

وكنتيجة ربما تكون طبيعية لهذا الجهد الدراسي خلال العام، ويحصل الطالب الياباني على أيام دراسية أكثر من أقرانه في دول أخرى، ويحصل على درجات تفوق أقرانه في الدول المتقدمة في مجالات المعرفة والمقررات الدراسية مثل الرياضيات والعلوم . ويقال إن مستوى التلميذ الياباني في سن الثانية عشرة يعادل مستوى الطالب في سن الخامسة عشرة في الدول المتقدمة . وهذا يدل على الرقي النوعي للتعليم في اليابان .

وتبعاً لإحصائيتين أجرتهما “المؤسسة العالمية من أجل تقويم التحصيل التعليمي” لاختبار مدى الاستيعاب في مجال العلوم والرياضيات، حصل تلاميذ المدارس الابتدائية اليابانية على أعلى النقاط من بين تلاميذ المدارس الأجنبية الأخرى، .

وسعت وزارة التعليم اليابانية منذ سنوات إلى تقليل عدد أيام الدراسة للتخفيف عن التلاميذ والطلاب وتشجيعهم على الاستمتاع بوقتهم، وقد استمر النقاش حول هذا المشروع سنوات حتى تقرر إنجازه بمجلس النواب على مراحل، وذلك بجعل يوم السبت الثاني والرابع من كل شهر إجازة بدلاً من الدراسة نصف يوم، ومنذ عام 2002 م بدأ تطبيق نظام الدراسة 5 أيام في الأسبوع فقط من الاثنين إلى الجمعة، ورغم ذلك مازال الكثير من الطلاب يذهبون إلى المدارس أيام السبت لحضور النشاطات الطلابية، أو يذهبون أيام السبت للمدارس والفصول الخاصة التي تساعدهم على تنمية قدراتهم .

“التربية”: برامج لاستثمار الإجازة في تعزيز قدرات الطلبة

أوضحت شريفة موسى، مديرة إدارة الأنشطة والمسابقات في وزارة التربية والتعليم، أن الوزارة سعت إلى توجيه الطلبة لاستثمار إجازتهم بالشكل الأفضل، حيث قامت بتنظيم جملة من النشاطات خلال إجازة الفصل الدراسي الأول، من خلال اعتمادها برامج الأنشطة الطلابية بمختلف أنواعها، تحت شعار “لتكن إجازتنا ممتعة ومفيدة” . وقالت إن البرامج تهدف لاستثمار الإجازة في تعزيز قدرات الطلبة بمختلف أنواعها بتنمية شخصية الطالب بمجموعة من الخبرات والمهارات، وبما يضمن إشغال وقت فراغ الطلبة خلال الإجازة في مكان تربوي وآمن .

وأوضحت أن المشروع تم تنفيذه بواسطة مختلف المناطق التعليمية في دبي والإمارات الشمالية، حيث قامت كل منطقة تعليمية بإصدار قرار بتشكيل لجنة لإعداد وتنفيذ وتقويم المشروع واختيار مدرستين من مدارسها الحكومية، وتخصيص إحداهما للبنين والأخرى للبنات، كمركز تدار من خلاله الأنشطة التربوية، مع ملاحظة أن تكون مجهزة بالمرافق والمراكز والأندية العلمية وأجهزة الحاسوب والمختبرات التقنية وكذلك اختيار فريق العمل الفني للعمل في المشروع والإشراف على البرامج والفعاليات .

وأشارت إلى أن المشروع تضمن العديد من الأنشطة العلمية، والثقافية، والفنية، والرياضية، والاجتماعية، والتطوعية، والمهارات الحياتية، مؤكدة أن الوزارة ستقوم خلال العام القادم بتفعيل وتعزيز التعاون فيما يخص الأنشطة الطلابية، بين مختلف المؤسسات المجتمعية .

وأشارت إلى أن الأنشطة العلمية التي تم تنفيذها خلال فترة الإجازة تضمنت ورش عمل ودورات متنوعة في الربوت، والحاسوب، والابتكارات العلمية، والبحوث والدراسات والظواهر العلمية، إضافة إلى المعسكرات التي تعد الطلبة للمشاركة في المسابقات المحلية والخليجية والدولية .

فنلندا تتربع على عرش التعليم ب 916 ساعة دراسية سنوياً

أكدت المقارنات الدولية الزعم الفنلندي بأنها تمتلك أفضل نظام تعليمي في العالم، على الرغم من كون عدد الساعات الدراسية خلال السنة لن يتجاوز 916 ساعة، حيث أظهرت النتائج الأولية للدراسة التي أجراها البرنامج الدولي للتقييم الطلابي (بيسا)، على طلبة من 40 دولة في العالم أن فنلندا أتت على رأس الدول من حيث تدريس مادة الرياضيات والقراءة والعلوم . ويتمتع الطالب الفنلندي بفترات عطل كثيرة، وتصل مدة العطلة الصيفية إلى 10 أسابيع، إلا أن سر التفوق يكمن في تعلم الطالب القراءة والكتابة من أهله أكثر مما يتعلمها من المدرسة، ما حفز الأهالي على المزيد من القراءة وحب الكتب والانشغال بها مع أبنائهم وأنفسهم، فضلاً عن اختيار المدرسين ما يريدون أن يتعلموا وكيف يعلمونه للطلاب، حيث يرفضون المنهج المكتوب .

ويقوم المدرسون باختيار موضوع للدراسة، وتستغرق الدراسة مدة 7 أسابيع، يفضلون خلالها العمق والشمولية والتجريب العملي وتوفير المواد اللازمة للدراسة من الطبيعة التي حولهم في الجوار، ما يفتح المجال على مصراعيه للطلاب والمدرسين للتجريب والاستكشاف وجمع النتائج والبحث والاستعانة بالموسوعات الورقية والالكترونية وكل السبل المعاصرة، ليخرج الطلاب والمدرسون عند انتهاء هذه الفترة بخبرة أنتجوها كاملة عن موضوع درسوه بكل متعة وعناية .

ويصل عدد الطلاب في الصف الواحد 30 طالباً، يتلقون ما معدله 916 ساعة دراسية سنوياً، فضلاً عن كونهم لا يقضون كثيراً من الوقت في الواجبات المدرسية؛ ولا تتجاوز عدد الساعات في التدريس 25 ساعة أسبوعياً ويعمل الطلاب ما مقداره 5 ساعات على الواجبات والأشغال المدرسية . وتتمتع المدارس في فنلندا بحرية اختيار المنهج وطرق التدريس وتدشين العملية التعليمية بما يناسب خطوطاً عريضة لوزارة التعليم .

ولعل أبرز ما يميز التجربة الفنلندية أنه لا توجد هناك اختبارات عامة للطلاب خلال التسع السنوات الأولى، حيث يتم تقييم الأداء بناء على اختيار 10% من كل شريحة عمرية وتجرى الاختبارات وتحتفظ المدارس بالنتائج بكل سرية، كما لا يسمح قانونياً بعد السنة الخامسة بوضع درجات للطلاب ولا يسمح بالمقارنة بينهم، ويضع المدرسون اختباراتهم الخاصة ولا يأخذونها من مؤسسات خارج المدرسة، كما لا تقارن المدارس مع بعضها وتبقى النتائج سرية حتى يطلبها مجلس التعليم الوطني لغرض تحسين التعليم . الخليج

Related posts