زايد..روح خالدة في ذاكرة ووجدان الوطن والمواطنين

موقع الطويين : وام

يصادف التاسع عشر من شهر رمضان المبارك 1433 هجرية الذكرى الثامنة لرحيل مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة وباني نهضتها وعزتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه الذي ستظل روحه حية وخالدة في ذاكرة ووجدان الوطن والمواطنين وقلوب ونفوس الأمة العربية والإسلامية، بعد حياة مشهودة حافلة بالعطاء, نذر خلالها نفسه وكرس كل جهده وعمل بتفان وإخلاص لخدمة وطنه وشعبه وأمته العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء، ونقش سيرته في التاريخ كنموذج للقيادات الملهمة الحكيمة التي تجمعت وتوحدت قلوب الناس جميعاً حولها، وأجمعت على مبادلته الحب والوفاء والولاء المطلق.

وقد حفل سجل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بصفحات ثرية ناصعة من المنجزات الوطنية الباهرة التي سطرها التاريخ بأحرف من نور على مدى نحو 66 عاما متواصلة من العطاء في العمل الوطني والقومي، وذلك منذ تعييه حاكماً لمدينة العين في المنطقة الشرقية في العام 1946 إلى توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في السادس من أغسطس 1966 وحتى انتخابه رئيساً للبلاد بعد إعلان اتحاد دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر 1971.

لقد وهب زايد نفسه لبناء وطنه وخدمة مواطنيه وتحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم في الحياة الكريمة الرغدة، وقاد ملحمة البناء من مرحلة الصفر بإقامة المدارس ونشر التعليم، وتوفير أرقى الخدمات الصحية ببناء أحدث المستشفيات والعيادات العلاجية في كل أرجاء الوطن، وإنجاز المئات من مشاريع البنية الأساسية العصرية والمستوطنات البشرية التي شكلت منظومة من المدن العصرية الحديثة التي حققت الاستقرار للمواطنين. لقد كان بحق رجل التنمية، ومن الزعماء القلائل الذين تفانوا وكرسوا حياتهم وأعطوا بكل سخاء من أجل عزة وطنهم وإسعاد شعبهم.

وقد جسدت الاحتفالات التاريخية الرائعة باليوم الوطني الأربعين في العام الماضي، بجلاء وصدق، عُمق الولاء والوفاء والحب الذي يُكنه شعب الإمارات لزايد، ومكانته في وجدانهم وذاكرتهم، ورسخت التراث الوطني الأصيل الذي تركه، وأكدت أنه يسكن قلوبهم ونفوسهم، وأنه، بحق، روح الاتحاد وروح الوطن. فقد كان زايد وطن في رجل. كما قال صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله.. “إن الأجواء الاحتفالية البهيجة في كافة أرجاء الدولة، بمناسبة اليوم الوطني الأربعين عكست روح الاتحاد الذي غرسه في نفوسنا جميعاً المغفور له والدنا مؤسس دولتنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، ومعه الرواد من حكام الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمة الله”. كما أكد سموه.. “إن هذا الاتحاد الذي نعيشه اليوم انجاز سياسي وواقع اجتماعي واقتصادي لم يكن هبة أو منحة، كما لم يكن مناله سهلاً يسيراً، لقد جاء ثمرة غرس طيب لآباء حملوا الفكرة أملاً وتولوها رعاية، متفانين في إعلاء راية الاتحاد وتقويته. إنهم روح الاتحاد، ومن سيرتهم تستخلص الأجيال العِبر، وتواصل تحمل المسؤولية في وطن زاه بماضيه، ويفخر بحاضره المعطاء وغده الواعد”.

وتُكرِس هذه الرؤية الواضحة لصاحب السمو رئيس الدولة لنهج المسيرة والاقتداء بسير المؤسسين، الاستقراء العميق للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في حدسه للمستقبل، حين أوصى، قبل رحيله، أبناءه المواطنين بالعمل الجاد من أجل حماية المكتسبات الوطنية وتحقيق المزيد من العزة للوطن والرخاء للمواطن. 

وقال لهم.. “إن ما ترونه من حقائق مادية على أرض وطنكم، لم يأت من فراغ، بل كان نتيجة العمل الشاق الدؤوب، والالتزام القوي والمثابرة. إن ما حدث ليس مقطوع الجذور، ولا يعود فقط للعقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، بل هو نتاج موروث ثقافي واجتماعي تأصل فينا ووصل إلينا من الأباء والأجداد الذين واجهوا الصعاب الجمة التي تفوق كل تصور وخيال.. إننا مدينون لهم في كل ما نتمتع به من قدرة على البناء وجدية في العمل وتصميم على النجاح.. لذلك، فإننا نقول دوماً بأن الشعب الذي لا يفهم ماضيه ويستوعب منه العبر والدروس، لن يكون قادراً على التعامل مع تحدّيات الحاضر واستحقاقات المستقبل”.

وقال مُوجِهاً حديثه إلى الشباب بصورة خاصة، في كلمة بمناسبة اليوم الوطني الثاني والثلاثين في الأول من ديسمبر 2003.. “إن ما تحقق من خير وفير، لن يدوم دون مزيد من الجهد والبذل والتضحيات.. إن علينا أن نكد من أجل حماية مكتسباتنا الوطنية وتعزيز مسيرة اتحادنا، وتحقيق المزيد من العزة للوطن والرخاء للمواطن، وهذا لن يتأتى دون مشاركة بنّاءة وفاعلة من الجميع. لقد أصبحنا في نعمة ما كنا نحلم بها، ولذلك أناشدكم ذكوراً وإناثاً أن تبذلوا كل جهد من أجل صيانتها ورعايتها، حتى تحصدوا أنتم وأبناؤكم ثمارها على الدوام إن شاء الله.. عليكم ألا تدخروا جهداً من أجل العمل بكل ما أوتيتم من طاقات وإمكانيات.. إياكم والكسل والتقاعس والتهاون، فإن النِّعم لا تدوم إلا بالجهد والنشاط والعمل الجاد وشكر الله وحمده.. كونوا حسبما نتوقعه منكم رجالاً ونساء،ً تعملون من أجل بلدكم بكل جد وتفان وإخلاص.. إنكم اليوم، والحمد لله، في ذروة العز والازدهار تنعمون بالخير والاحترام، فثابروا واستمروا وتفاعلوا مع العالم الذي من حولكم، وخذوا منه ما يفيدكم وينفع بلدكم، واطرحوا جانباً ما يضركم ويسئ إلى مجتمعكم وقيمكم وتراثكم العريق”. وأكد لهم: “إن العمل الوطني لا يتوقف عند حد، والمسؤولية تقع الآن عليكم يا شباب الإمارات وشاباتها، لتحولوا الفرص التي أتيحت لكم إلى نقاط انطلاق لمزيد من العطاء لوطنكم وشعبكم. إننا ننظر إلى مفهوم المواطنة بمعنى الولاء للوطن والالتزام بالعمل من أجله. المواطنة تستدعي من كل منا أن يكون العطاء للوطن له نبراساً وهادياً، فالوطن كل متكامل، وبناؤه يستوجب تضافر جهود الجميع وتكاتفهم واستعدادهم لخدمته وحمايته”.

كما أكد، برؤيته الثاقبة، قائلاً.. “لقد كان لتلاحم أبناء الشعب مع قيادة هذه الدولة الأثر الأول والفضل الكبير في تسهيل مهمة الرئاسة وتعضيد جهودها من أجل بناء صرح الاتحاد.. إننا نعتبر أن الوصول إلى هذه الحالة من التلاحم بين الشعب والقيادة، وهو التلاحم الذي يقوم على المحبة الصافية، ليس بالأمر الهين أو العادي، وإنني فعلاً أحمد الله على ذلك كثيراً”.

وأجمع العالم بأن زايد كان زعيماً رائداً ورجل دولة قوياً يتمتع بالحكمة وبُعد النظر، أسهم في دعم قضايا أمته العربية والإسلامية من أجل تحقيق وحدة الصف والتضامن بين شعوبها والدفاع عن حقوقها، كما دعم القضايا العالمية العادلة بمواقفه الصريحة والشجاعة، ومبادراته العديدة على صعيد العمل القومي وفي ساحات العمل الإنساني لخدمة البشرية جمعاء.

كما ثمن العالم، بتقدير كبير، الجهود المتصلة لزايد في الدعوة إلى نشْر ثقافة التسامح والوسطية والاعتدال في الإسلام، وإلى الحوار والتقارب بين الثقافات والحضارات والأديان من أجل بناء مستقبل آمن ومزدهر للإنسانية.

وكان العالم قد صدم وفجع ووقع عليه نبأ رحيل زايد كالصاعقة، لما يُكنه له من احترام كأحد الزعماء البارزين في سمائه، ولما تحلى به من حكمة وبُعد نظر ورؤية ثاقبة سديدة، ولعطاءاته السخية في ساحات المساعدات التنموية والعمل الإنساني والخيري، والتي انعكست نتائجها الإيجابية على جهود التنمية والسلام والاستقرار في العالم.

وأقامت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمبادرة غير مسبوقة، في 4 نوفمبر 2011 حفل تأبين تاريخياً تحدّث فيه رئيس الجمعية وممثلو مجموعات دول المناطق الجغرافية العالمية الخمس في المنظمة الدولية، من قارات آسيا وأفريقيا ودول أوروبا الشرقية ودول أمريكا اللاتينية والكاريبي ودول أوروبا الغربية، بالإضافة إلى ممثل الولايات المتحدة الأمريكية الدولة المضيفة، واستعرض المتحدثون، في هذه الجلسة الخاصة، جوانب من الحياة السياسية والدبلوماسية الحكيمة والإنجازات العظيمة للمغفور له الشيخ زايد، سواء على صعيد بناء دولة الإمارات العربية المتحدة، وإنجاز نهضتها الحديثة، أو في مجالات التعاون الدولي، والعمل الإنساني وتقديم المساعدات السخية للدول الفقيرة والنامية، وتكريس جهوده الدءوبة من أجل تعزيز علاقات الأخوّة والصداقة والاحترام المتبادل بين دول وشعوب العالم. وأكدوا أن ذكراه ستظل مصدر إلهام لا ينضب لشعبه ولجميع الذين يعملون، جاهدين، من أجل قضايا السلام وبناء الإنسان وإسعاد البشرية.

ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، وقتها، معالي كوفي عنان في بيان رسمي، المغفور له الشيخ زايد بأنه كان أحد الزعماء البارزين في العالم الذي كرس حياته وجهوده الدؤوبة، منذ تولّيه لمقاليد الحكم في دولة الإمارات، من أجل بناء الدولة والأمة. وقال إن حكمة الشيخ زايد وإيمانه العميق في الدبلوماسية لحل الأزمات، وكرمه في تقديم المساعدات للدول النامية، مكنه من أن يحظى بشعبية في بلاده والعالم الإسلامي والدولي. وأكد.. “إن الشيخ زايد كان صديقاً باراً للأمم المتحدة، وسعى دوماً نحو تعزيز أوجه العلاقات بين بلاده والمنظمة الدولية”.

ووصف الأمين العام لجامعة الدول العربية، حينها، معالي عمرو موسى رحيل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه، بأنه خسارة فادحة للعرب. 

وقال إن الأمة العربية فقدت فارساً من فرسانها النبلاء ورجُلاً من أكابر رجالتها، شكلت مسيرة حياته نموذجاً فريداً للعطاء بلا توقف، وللقيادة الواعية الرصينة والحكيمة.

وذكر أن الشيخ زايد كان قائداً متميزاً آل على نفسه النهوض ببلاده، وبذل الجهد والمال لبناء دولة الامارات العصرية، وتوحيد الصف العربي، وكانت له، على مدى عقود طويلة، أيادٍ بيضاء على العمل العربي المشترك وفي دعم وتأييد الجامعة العربية.

وأكد البروفسور الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو أمين عام منظمة التعاون الإسلامي أن وفاة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان /رحمه الله/ هو خسارة فادحة أصابت، ليس فقط دولة الامارات العربية المتحدة، بل الأمة العربية والإسلامية والعالم. وقال إن الفقيد تميَز بشخصية فذة كان لها تأثيرها الكبير في مجريات الأحداث السياسية بمنطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وكان له دور ريادى فى حركة السلام العالمية. وأضاف “لقد بنى الشيخ زايد، رحمه الله، نهضة دولة وأمة الإمارات، وما نراه اليوم من التقدم الكبير الملموس، وانتشار الرفاهية والسعادة بين أبناء الإمارات العربية المتحدة، وما يتمتع به من الأمن والاستقرار، هو دليل على حكمته وحنكته ونجاح سياسته الوطنية”.

وذكر أمين عام منظمة التعاون الإسلامي بأن الشيخ زايد، رحمه الله، كان صاحب أياد بيضاء على الكثير من المشروعات الخيرية في مختلف أنحاء العالم، ولا يوجد بلد من البلاد العربية أو الإسلامية لم تصله اليد البيضاء والخير الذي عمّ بعطاء زايد.

ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في نحو العام 1918 في قصر الحصن بوسط مدينة أبوظبي، وهو رابع أربعة أبناء رزق بهم الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان الذي حكم إمارة أبوظبي بين أعوام 1922 و1926 وكان ترتيبه الحادي عشر في سلسلة حكام ال نهيان، وقد عرف عنه شجاعته وحكمته وقدراته على بسط الأمن والسلام والنظام ونظمه للشعر والنشيد واهتمامه بالزراعة والمياه والري، حيث بنى فلج /المويجعي/ مما أدى إلى ازدهار قرية /المويجعي/ في مطلع الستينات.

وقد تفتحت عينا زايد وسط البيئة القاسية والحياة الصعبة التي عاشها سكان إمارة أبوظبي في قلب الصحراء وعلى ضفاف السواحل، في تلك المرحلة من تاريخها، حيث بدأ في الاطّلاع على أصول الدين وحفظ القران الكريم ونسَج من معانيه نمط سلوكه ونهج حياته ورؤيته للمستقبل.

ثم بدأت المرحلة الثانية من حياته عندما انتقل من أبوظبي إلى العين، حيث أظهر شغفه المتزايد بالمكونات التقليدية التي يتّصف بها البدوي الأصيل كالصيد بالصقور وركوب الخيل والهجن وإتقان الرماية، وقد أمضى في مدينة العين وضواحيها السنوات الأولى من فجر شبابه وترعرع بين تلالها وجبالها وصحرائها واستمد الكثير من صفائها ورحابتها واشتهر بشجاعته وإقدامه وهو لا يزال صبيا، وشكّلت مكونات تلك الفترة بكل تجربتها وأبعادها خصائص زعامته الفذّة وفلسفته في الحياة.

وأتقن زايد، عندما أصبح شاباً، فنون القتال والصَول والجول والإقدام، وبدأت ثقافته تكتسب بعدا جديدا فولع بالأدب والشعر والتاريخ وأبدى اهتماما كبيرا بمعرفة وقائع تاريخ العرب وأمجادهم، وكان من أمتع أوقاته الجلوس إلى مجالس كبار السن ليستمع منهم عما يعرفونه من سِير الآباء والأجداد وبطولاتهم، حيث بدأت الشخصية القيادية للشيخ زايد تتبلور وتظهر بجلاء خلال هذه الحقبة من بداية الأربعينات. وبعد أن عين حاكماً للمنطقة الشرقية من إمارة أبوظبي في العام 1946، أظهر زايد قدرات كبيرة في إدارة شؤون العين والمناطق التابعة لها، وكرس كل طاقاته وجهوده لخدمة المواطنين وتحسين أحوالهم المعيشية. وتقدم صفوفهم في العمل رغم شح الإمكانيات التي كانت متاحة. فقد لجأ زايد إلى تنمية الزراعة وحفر الأفلاج وكان يشارك الرجال النزول إلى جوف الأرض ويرفع معهم التراب، حيث شهدت تلك الفترة عملية إصلاح زراعي محدودة أسهمت في تطوير المنطقة وازدهارها. واستحدث أول نظام للري ألغى به تجارة الماء التي كانت سائدة في المنطقة الشرقية، مؤكداً.. “إن مياه الأفلاج الآتية من جوف الأرض يجب أن تكون من حق كل الناس الذين يعيشون فوق هذه الأرض”.

وافتتح أول مدرسة في العين في العام 1959 وهي المدرسة /النهيانية/ ثم أنشأ مستشفى العين وسوقا تجارية وشبكة محدودة من الطرق نظراً لشحّ الإمكانيات المادية وقتها، واكتسب منذ ذلك الوقت حبّ مواطنيه وثقتهم فيه.

ووصف العقيد بوستيد الممثل السياسي البريطاني صورة الحياة الاجتماعية التي كان يعيش فيها المواطنون في تلك الحقبة والتفافهم حول زايد وولائهم له في كتابه /ريح الصباح/ بقوله.. “لقد دهشت كثيرا من الجموع التي كانت تحتشد دوما حوله في واحة البريمي وتحيطه باحترام واهتمام.. كان لطيف الكلام دائما مع الجميع وكان سخيا جدا بماله. ودهشت على الفور من كل ما أنجزه في بلدته العين وفي المنطقة كلها لمنفعة الشعب. فقد شق الترع لزيادة المياه لري البساتين وحفر الآبار وعمر المباني الإسمنتية في الأفلاج لكي يستحم فيها الناس”. كما روى النقيب البريطاني أنطونى شيرد في كتابه /مغامرة في الجزيرة العربية/ انطباعاته عن زايد في تلك الفترة بقوله.. “كان رجلا يحظى بإعجاب وولاء البدو الذين يعيشون في الصحراء المحيطة وواحة البريمي. وكان بلا شك أقوى شخصية في الإمارات المتصالحة. 

وكنت اذهب لزيارته أسبوعيا في حصنه وإذا دخلت عليه باحترام خرجت باحترام أكبر. لقد كان واحدا من العظماء القلة الذين التقيتهم. وإذا لم نكن نتفق دوما فالسبب هو جهلي”.

وحظي زايد خلال فترة حكمه للمنطقة الشرقية بإجماع وولاء رعيته التي أحبته لأسلوبه السهل الواضح في معاملته لهم ولعلاقته الحميمة الودودة بهم ولحكمته وعدله، فقد كان بالنسبة لهم رب الأسرة كما يؤكد ذلك الرحالة البريطاني ويلفريد ثيسجر أو مبارك بن لندن في مشاهداته التي تضمنها كتابه الشهير /الرمال العربية/ بقوله.. “إن زايد رب أسرة كبيرة يجلس دائما للاستماع إلى مشاكل الناس ويقوم بحلها. ويخرج المتخاصمون من عنده وكلهم رضا بأحكامه التي تتميز بالذكاء والحكمة والعدل”.

ولم تتوقف طموحات زايد وتطلعاته، بما أنجزه من تحولات إصلاحية محدودة في مدينة العين وبما حققه من استقرار في المنطقة، بل كانت نظرته الثاقبة للأمور وملَكته الفطرية على استشراف المستقبل تمتد إلى أبعد من العين بكثير. كان يتأمل بصبر الأحوال التي كان عليها وطنه الكبير والظروف الصعبة التي يعيش فيها المواطنون، وكان يتطلع بثقة وأمل إلى تبديل حال الوطن وتحسين أحوال المواطنين. وقد عبّر عن طموحاته وتطلعاته لتحقيق هذه الأهداف بقوله.. “كانت أحلامي كثيرة. كنت أحلم بأرضنا تواكب حضارة العالم الحديث ولكنني لم أستطع أن افعل شيئاً ولم يكن بين يدي ما يحقق الأحلام، ولكنني كنت واثقاً من أن الأحلام سوف تتحقّق في يوم من الأيام”.

وشكلت أول رحلة قام بها زايد خارج البلاد في العام 1953 إلى بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والتي أعقبها بزيارات إلى عدد من الدول العربية والإسلامية، روية واضحة زادت من قناعاته بمدى حاجة البلاد إلى التنمية والتطور واللحاق بركب الحضارة والتقدم. وحظيت هذه الجولات لعدد من عواصم العالم المهمة بأصداء واسعة سياسياً وإعلامياً، وقوبلت بارتياح محلى وباهتمام اقتصادي عالمي، خاصة وأنها تزامنت مع بدء جهود التنقيب عن النفط في إمارة أبوظبي والإعلان عن اكتشاف البترول بكميات تجارية في العام 1958 ومن ثم تصدير أول شحنة من النفط الخام المنتج من حقل أم الشيف البحري في العام 1962.

وبرزت، بعد هذه الجولات، شخصية زايد القيادية وقدراته السياسية، ليكون رجل البلاد القوي المنتظر في إمارة أبوظبي.

مبايعة زايد ..وبالفعل سطعت شمس السادس من أغسطس من العام 1966 لتضئ بإشراقتها المستقبل الباهر الذي شهدته إمارة أبوظبي بإعلان القرار التاريخي بمبايعة أسرة آل نهيان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكماً لإمارة أبوظبي.

وقد قبل الشيخ زايد تحمل المسؤولية الجسيمة تجاوباً مع إجماع أسرة آل نهيان ونبض الشعب، وبذلك بدأت مرحلة تحول تاريخي في البلاد.

وأعلن زايد، منذ اللحظات الأولى لتوليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، عزمه على تسخير عائدات الثروات النفطية لبناء تقدم الوطن وتحقيق سعادة المواطنين، مؤكداً.. “إذا كان الله عز وجل قد من علينا بالثروة فان أول ما نلتزم به لرضاء الله وشكره هو أن نوجه هذه الثروة لإصلاح البلاد ولسوق الخير إلى شعبها”. وتعهد زايد للرعية.. “إن من حقوق الله علينا رعاية من ولاّنا الله إياهم بقدر ما في الوسع والطاقة، وإن من رضوان الله على عباده أن يقوم بعضهم بالبعض الآخر، وإن الله لا يولي على عباده إلا من يرفق بهم ويطبق شريعته”. وأضاف مؤكداً.. “إنني مثل الأب الكبير الذي يرعى أسرته ويتعهد أولاده ويأخذ بيدهم حتى يجتازوا الصعاب ويشقوا طريقهم في الحياة بنجاح”.

وانطلقت عجلة البناء والتعمير في كل مكان تقهر الصعاب وتهزم المستحيل بجهود مخلصة وعزيمة معطاء وإرادة صلبة لقائد فذّ نذر نفسه لازدهار وطنه وإسعاد شعبه.

وكانت مدينة أبوظبي، عندما تولى زايد مقاليد الحكم فيها كما هو الحال بالنسبة لمناطق إمارة أبوظبي الأخرى، جزيرة رملية صحراوية قاحلة تحيط بها مياه الخليج من كل الجوانب، لا يوجد بها سوى مجموعة من البيوت المتناثرة معظمها من /العريش/ وكانت تفتقر إلى أبسط الخدمات من طرق أو مياه أو كهرباء أو مدارس أو مستشفيات وغيرها من الخدمات الأساسية الضرورية للسكان.

وكانت احتياجات الناس من السلع والبضائع تأتى إلى أبوظبي بواسطة /الصنادل/ التي تقوم بنقل هذه السلع من السفن الكبيرة التي كانت ترسو قبالة كورنيش أبوظبي الحالي نظراً لعدم وجود أي موانئ أو حتى أي نوع من هياكل البنية الأساسية من طرق وجسور ومطارات واتصالات حديثة وغيرها من مرافق البنية التحتية، وكان المواطنون يعيشون حياة قاسية وصعبة، يعانون من شظف العيش والحرمان من الخدمات الضرورية.

تسخير الثروات لبناء الوطن وكان هذا الأمر يشغل بال زايد الذي كان يردد.. “كنت أفكر دائما وقبل أن تتوفر لي الإمكانات التي أنعم الله بها علينا مع ظهور البترول، أن شعبنا حرم كثيرا في الماضي من الخدمات والمرافق التي كان يتمتع بها غيره وآن الأوان لأن نعوض شعبنا عما فاته لينعم بما أعطاه الله من خير وفير”.

وبدأت مرحلة سنوات خالدة حافلة بالعمل الدؤوب والإنجازات المتلاحقة بأن سخّر زايد عائدات الثروة النفطية لانتشال إمارة أبوظبي من حالة التردي الاقتصادي والاجتماعي التي كانت عليها، حيث أكد في هذا الخصوص.. “إن مصلحة الوطن العليا فوق كل اعتبار ويتوجب أن تسبق بالأولوية والاهتمام والغاية أية مصلحة أخرى”.

وانطلقت عمليات التطوير والبناء بإرساء قواعد الإدارة الحكومية السليمة وبناء المؤسسات التنظيمية والمالية والإدارية والمرافق والدوائر الحكومية التي تتولى الإشراف على تنفيذ مشاريع التنمية. وتدفقت عائدات الثروات البترولية بسخاء للإنفاق في إقامة مشاريع التطوير والخدمات والبنية الأساسية، وبدأ العمل في تنفيذ برامج طموحة سريعة وأخرى طويلة الأجل للتنمية الشاملة التي استهدفت شتى نواحي الحياة بالتبديل والتحديث للحاق بركب الحضارة والتقدم، فلا فائدة في المال كما كان يقول زايد.. 

“إذا لم يسخر لصالح الشعب”. ولم يسخّر زايد المال فقط ويوظفه لإسعاد أمته، بل نذر نفسه لخدمتها وأخذ يجوب البلاد طولا وعرضا يتابع بنفسه عمليات التشييد والبناء ويتنقل بين الحضر والقرى والصحارى يتفقد مشاريع الإنماء والإعمار ويقود تحدياً غير مسبوق للحاق بركب الحضارة والتحديث والتقدم.

وحقّقت إمارة أبوظبي، خلال سنوات قلائل، منجزات عملاقة تم تنفيذها في زمن قياسي بكل المعايير والمعدلات الدولية للتنمية، وشهدت تحولات جذرية على طريق التقدم والازدهار، حيث تم في إطار خطط متلاحقة للتنمية الشاملة تنفيذ المئات من مشاريع التطوير والتحديث والخدمات في آن واحد، والتي انطلقت من وضع أول مخططات حديثة لتطوير المدينة على أسس عصرية، بإقامة العديد من المدن السكنية الحديثة وبناء المستشفيات والعيادات الصحية والهياكل الأساسية للبنية التحتية من طرق وجسور وأنفاق وكهرباء ومياه وخدمات المواصلات والاتصالات وغيرها من مرافق الخدمات الأساسية لبناء نهضة الوطن وتلبية طموحات المواطنين وتطلعاتهم في الرخاء والأمن والاستقرار. وشملت مخططات التطوير والتحديث لإمارة أبوظبي إقامة العديد من المدن العصرية الحديثة، وتجميل المدينة بإنجاز معجزة التشجير والمسطحات الخضراء مما أحال الصحراء القاحلة التي كانت تحيط بالجزيرة إلى حدائق غناء تحتضن المئات من الغابات ومختلف الأنواع من والنباتات والألوان من الزهور.

بناء الاتحاد ..وبادر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بعد نحو عامين من توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي التي كانت قد قطعت شوطا كبيرا على طريق النهضة والتقدم، إلى دعوة إخوانه حكام الإمارات إلى الاتحاد في دولة واحدة قوية، انطلاقا من توجهه الوحدوي المتأصل في فكره وفلسفته منذ أن كان حاكما على منطقة العين في عام 1946 والذي ينبع من إيمانه القوى بالتراث العربي والإسلامي الذي يدعو إلى التعاون والتآزر والترابط والعمل على أعمار الأرض وإسعاد البشر، مؤكداً.. “إن الاتحاد هو طريق القوة وطريق العزة والمنعة والخير المشترك وان الفرقة لا ينتج عنها إلا الضعف وان الكيانات الهزيلة لا مكان لها في عالم اليوم.. فتلك، كما كان يقول، عبر التاريخ على امتداد عصوره”.

ولاقت المبادرة الخيرة أصداء واسعة واستجابة وقبولا سريعين من إخوانه الحكام، وتواصلت بعدها سلسلة من المشاورات واللقاءات بين حكام الإمارات، أثمرت في الثاني من ديسمبر 1971 عن عقد أصحاب السمو حكام الإمارات الست جلسة تاريخية بقصر الضيافة بالجميرة بدبي برئاسة زايد أقروا فيها الدستور المؤقت للدولة الاتحادية، وتم انتخاب الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي نائباً للرئيس، وتعيين المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيساً لأول وزارة اتحادية في البلاد.

وهكذا شهد التاريخ في ذلك اليوم، بعزيمة زايد وإخوانه الحكام، ميلاد دولة حديثة أصبحت يوم إعلانها الدولة الثامنة عشرة في جامعة الدول العربية والعضو الثاني والثلاثين بعد المائة في الأمم المتحدة.

ولم يعمل زايد على بناء الاتحاد، بل جاهد وكافح وصبر من أجل الحفاظ عليه واستمراره وإعلاء صروحه، وأكد في هذا الخصوص.. “إن الاتحاد يعيش في نفسي وفي قلبي وأعز ما في وجودي ولا يمكن أن أتصور في يوم من الأيام أن اسمح بالتفريط به أو التهاون نحو مستقبله”. وأضاف إلى ذلك.. “لو كان لدى بعض الشجرات مثلاً وزرعتها وسقيتها ثم أثمرت، فهل يهون على أن أفرّط فيها أو أن اسمح لأحد بالعبث بها، فكيف الحال إذا كان الأمر يتعلق بدولة ولدت ثم ترعرعت ثم ازدهرت ثم أخذت مكانها العظيم بين الدول، فهل يهون علي أو على أي ممن شهد بناء هذه الدولة وشاركوا فيها التفريط في أي شئ من مصالح وكيان هذه الدولة.. لا أعتقد”.

وأعلن في حديث آخر مهم، وقتها، حرصه على دعم الكيان الاتحادي والحفاظ على مكاسب المواطنين فيه، قائلاً.. “إنني على استعداد لان أعطى أكثر مما أعطيت، أعطى لأحافظ على مكاسب المواطنين في الاتحاد، أعطى لأحافظ على الوطن الذي كبر ونما، أعطى لأحافظ على الكيان الاتحادي من أجل هذا الجيل والأجيال القادمة، وسأعطى كل ما أملك وكل ما اقدر عليه من أجل هذه الأرض وهذا الشعب، لا شئ عندي غال بالنسبة للوطن والمواطن وسأكافح من أجل هذا”.

وتمكن زايد من قيادة مسيرة الاتحاد بحكمة وصبر رغم العديد من المشكلات والصعاب التي اعترضت المسيرة، حيث أوضح ذلك بحكمته العظيمة، في حديث لصحيفة /الرأي العام/ الكويتية في 7/11/1987 بعد سبع سنوات من المسيرة الاتحادية قائلا.. “نحن في اتحاد قبل أن يكون مجلس التعاون الخليجي ولو أن كل اختلاف نختلفه يشق ما بيننا ويهدم شيئا من هذه الجذور لم نكن اليوم في اتحاد لكن كل اختلاف بيننا في الإمارات وفي اتحادنا نصبر عليه ولو تصدع نصبر عليه حتى نزيله بنفس رحبة وبأخوة بعيدا عن ضيق النفس والقطيعة واليأس حتى يصبح التصدع كأنه لم يكن، هذا هو طريقنا حتى يومنا هذا ونحن في نفس الطريق سائرون، ولكنني أقول بصراحة أن الذي واجهناه في السنوات السبع الأولى كان شيئاً خطيراً وخطيراً جداً لم نعالجه بشئ من الغضب أو الحماقة أبداً.. واجهنا كل شئ بالصبر وبالتي هي أحسن”.

وعبر في حديث /لوكالة أنباء الإمارات/ في 2 ديسمبر 1985 بمناسبة مرور 14 عاماً على قيام الاتحاد، عن ارتياحه لما وصلت إليه المسيرة الاتحادية من ثبات، وقال.. “إننا، والحمد لله، نشعر بالارتياح والسرور أن الاتحاد يسير في طريقه الصحيح وتنتقل دولة الإمارات معه من مرحلة إلى أخرى حتى أصبحت مدعاة فخر للجميع بالمنجزات التي تحققت على أرض هذا الوطن، انطلاقاً من القناعة بأن الاتحاد هو الضمان الوحيد للاستقرار الأمني والرفاهية في هذا الجزء من الوطن العربي، وهذا يضع مصالح الاتحاد فوق جميع المصالح الأخرى”. كما نوه.. “إن تجربتنا الوحدوية في دولة الإمارات هي البرهان الساطع على أن الوحدة والتآزر هي مصدر كل قوة ورفعة وفخر”.

منجزات شامخة .. وتحولت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال سنوات قلائل من بناء اتحادها إلى دولة عصرية مزدهرة ينعم مواطنوها بالرفاه والرخاء بفضل القيادة الحكيمة والعطاء السخي والجهود المخلصة لزايد الذي أعلن.. 

“إن الاتحاد ما قام إلا تجسيداً لرغبات وأماني وتطلعات شعب الإمارات الواحد في بناء مجتمع حر كريم يتمتع بالمنعة والعزة وبناء مستقبل مشرق وضاح ترفرف فوقه راية العدالة والحق”. كما أعلن.. “إننا سخّرنا كل ما نملك من ثروة وبترول من أجل رفع مستوى كل فرد من أبناء شعب دولة الإمارات العربية المتحدة إيماناً منا بأن هذا الشعب صاحب الحق في ثروته وأنه يجب أن يعوض ما فاته ليلحق بركب الحضارة والتقدم”. ورسم زايد في أحد أحاديثه صورة حية وصادقة لما كان عليه حال الوطن عند قيام الاتحاد وكيف أصبح الآن، قائلاً.. “إن بعض المدن في الإمارات لم يكن فيها قبل الاتحاد مدرسة واحدة وأصبح فيها الآن عشرات المدارس الحديثة وبعض المدن لم يكن فيها قبل الاتحاد صيدلية وأصبح فيها الآن العديد من المستشفيات والعيادات وبعض الإمارات لم يكن فيها طريق معبد والآن أصبحت الطرق الحديثة السهلة تربط بين المدن والقرى وتسهل انتقال المواطنين من الصحراء إلى المدن”.

وأكد.. “لقد تحققت الأماني بفضل قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة الذي أسهم كثيرا في تغيير صورة الحياة في هذه الأرض وإنجاز العشرات من المشروعات العملاقة في شتى مجالات البنية الأساسية والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، وتحقيق التقدم والازدهار في كل ناحية من النواحي”. وأضاف.. “إننا لم نكن ننعم بكل هذه الإنجازات التي تفوق كل تصور وبهذه السرعة التي تفوق كل معدلات التنمية المعروفة”.

وعمل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، خلال المسيرة الاتحادية، على تحقيق الوحدة الوطنية بين المواطنين وتوفير الحياة الكريمة لهم، مؤكداً.. “إن هدف إقامة اتحاد الإمارات العربية المتحدة هو توحيد الكلمة.. وهدف الاتحاد الأول هو خدمة المواطنين ورفع مستواهم وتوفير سبل العيش الكريم لهم والاهتمام بثقافتهم وصحتهم وأمنهم”. كما أكد.. “لقد أثبتت تجربتنا أن الوحدة هي السبيل إلى تحقيق الإنجازات الضخمة والانتقال من التخلف والحرمان إلى التقدم والخير”، مشيراً إلى.. 

“إن المواطن يحصد الآن ثمرات هذا الاتحاد الذي انتقل بنا من التفكك إلى التلاحم ومن التخلف إلى البناء والازدهار”.

وعبر زايد، في أكثر من حديث، عن ارتياحه ورضاه برسوخ المسيرة الاتحادية واستقرارها وما حققته من منجزات شامخة قائلاً.. “إن ما تنعم به البلاد اليوم من رخاء وأمن واستقرار إنما هو ثمرة الصبر والمثابرة والعمل الدءوب والجهد المستمر الذي بذلناه، فما كلت أمام الشدائد عزائمنا، ولا وهنت أمام الصعاب إرادتنا، ولا احتجبت في الظلمات غاياتنا وأهدافنا في بناء اتحاد شامخ، بل ذللنا الصعوبات بإيمان راسخ لا يتزعزع وبتصميم لا يتقهقر وببصيرة وإرادة قوية، مهتدين في ذلك كله بمنهاج ديننا الحنيف وسنّة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم”. وأضاف إلى ذلك قوله.. “ونحمد الله ونشكره الذي أمدنا بمن من عنده وأخذ بأيدينا وأرانا الطريق الصحيح الذي أفلحنا به وأصبحت أمتنا كلها في سعادة ورخاء وأمان”. كما عبّر عن ثقته بصمود المسيرة الاتحادية وشموخها مؤكداً.. “لقد استطاع الاتحاد أن يخطو خطوات ثابتة سريعة في طريق العزة والتقدم والرخاء وأصبح راسخا كالطود الشامخ لا تهزه الرياح العاتية”.

بنـاء البيت الخليـجي واتجهت الرؤية الثاقبة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بعد بناء اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى دول الخليج العربية انطلاقاً من إيمانه العميق بحتمية وحدة الكلمة بين الأشقاء في دول الخليج، وأهمية التعاون والتآزر، وقناعته الراسخة بان أبناء الخليج ينتمون إلى أسرة واحدة، تربطهم أواصر العقيدة والتاريخ المشترك وصلة الرحم والآمال والطموحات المشتركة.

وهكذا انطلقت أول دعوة لزايد لبناء تجمّع لدول الخليج العربية، وعقد لقاء قمة بين قادته، في حديث لصحيفة /الأضواء/ البحرينية يوم 24 يونيو 1973، بعد أقل من عام على قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، حين أكد قائلاً.. “إن هناك مصالح اقتصادية مشتركة وجوانب أخرى من المستحسن تبادل الرأي فيها، تتعلق كلها بأمن الخليج واستقراره”. وقال.. 

“إن لقاء القمة، لو قُدر له أن يتمّ، فإنه يمكن أن يحقق إجماعاً خليجياً على خطة سياسية واحدة، وفوائد ومصالح اقتصادية يفيد منها الجميع، بما في ذلك الدول العربية غير الخليجية”.

وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قد قام بتحرك واسع ونشط لتبادل الآراء والتشاور مع إخوانه أصحاب الجلالة والسمو قادة دول الخليج العربية في السبل الكفيلة لبناء البيت الخليجي الواحد. وأكد خلال زيارته لمملكة البحرين في 7 نوفمبر 1974.. “إن الوقت قد حان لكي تعمل دول الخليج العربية على تعزيز التعاون بينها في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وأن دولة الامارات تعتبر أن هذا التعاون قد أصبح أمراً ضروريا وحيويا للمنطقة”.

وقد أثمرت هذه الاتصالات والزيارات المتبادلة في التوصل إلى رؤية مشتركة لقادة دول الخليج العربية للتعاون والتنسيق والتكامل، عبّر عن رضائه عنها زايد حينها بقوله.. “إن نتائج اللقاءات الأخوية بين قادة دول الجزيرة والخليج تدعو إلى الفخر والاعتزاز من أجل تثبيت الاستقرار في المنطقة وتحقيق رفاهية شعوبها”.

وهكذا انتظم عقد الدورة التأسيسية الأولى للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يومي 25 و 26 مايو 1981 في أبوظبي، بحضور جميع قادة دول الخليج العربية، وهى الدورة التي أجمعت آراؤهم فيها على إنشاء مجلس التعاون، وقاموا بالتوقيع على النظام الأساسي الذي يهدف إلى تطوير التعاون بين الدول الأعضاء، وتنمية علاقاتها وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط وتعميق وتوثيق الروابط والصلات القائمة بين شعوبها فى مختلف المجالات، وأقر أصحاب الجلالة والسمو حتمية التكامل الاقتصادي بين دولهم، والاندماج الاجتماعي بين شعوبهم.

وعمل المغفور له الشيخ زايد، بعد قيام المجلس. على تعزيز مسرته المباركة ودعم كل أوجه ومجالات العمل الخليجي المشترك. وأكد، في أكثر من مناسبة، أهمية منظومة مجلس التعاون وحضورها وثقلها البارزين على كل الصُعد الإقليمية والدولية، وتحقيق طموحات وتطلعات دول وشعوب المنطقة في الرفاهية والرخاء والاستقرار. وقال فى هذا الخصوص.. “إن مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو الدعامة الأساسية لتأمين القوة الذاتية لدول المنطقة، بما يمكّنها من القيام بدورها في خدمة الأمة العربية والإسلامية، والإسهام في صون أمن وسلام العالم اجمع”. وأكد.. “إن مجلس التعاون استطاع أن يحقق انجازات على جانب كبير من الأهمية، بما فيه خير ورفاهية شعوب المنطقة، وإن مستقبل المجلس يدعو إلى التفاؤل من أجل المزيد من الانجاز للأجيال القادمة”.

بناء الإنسان ..وعمل الشيخ زايد، على مدى سنوات حكمه الحافلة بالمنجزات الشامخة، على بناء الوطن بصورة موازية مع بناء الإنسان ورعاية المواطن والنهوض بالمجتمع، حيث كان يؤكد.. “إن الإنسان هو العنصر الأساسي لكل تقدم وإن أثمن ثروة لهذا البلد هي الإنسان الذي يجب أن نعتني به كل العناية ونوفر له كل الرعاية فلا فائدة للمال بدون الرجال”. وكان يؤكد دائماً.. “إن رصيد أي أمة متقدمة هو أبناؤها المتعلمون، وأن تقدم الشعوب والأمم إنما يقاس بمستوى التعليم وانتشاره”.

ووضع زايد الاهتمام ببناء الإنسان ورعاية المواطن في أولويات توجهات السياسة العامة للدولة عندما أعلن بكل الوضوح.. “إن الدولة تعطى الأولوية في الاهتمام لبناء الإنسان ورعاية المواطن في كل مكان من الدولة.. فلا قيمة للقدرة المالية دون أن تكون هناك ثروة بشرية وكوادر وطنية مؤهلة وقادرة على بناء الوطن، لان طريق نهضة الوطن سيظل دائما يتطلب من كل فرد في هذا المجتمع بذل الجهود الشاقة لأجل أن تثمر جهودنا”.

وأكد في حديث آخر.. “إن الثروة ليست ثروة المال بل هي ثروة الرجال، فهم القوة الحقيقية التي نعتز بها، وهم الزرع الذي نستفيء بظلاله، والقناعة الراسخة بهذه الحقيقة هي التي مكنتنا من توجيه كل الجهود لبناء الإنسان وتسخير الثروات التي من الله بها علينا لخدمة أبناء هذا الوطن حتى ينهضوا بالمسؤوليات الجسام التي تقع على عاتقهم ويكونوا عوناً لنا ولأشقائنا”.

كما أكد، في رؤية واضحة، قاطعاً.. “إن بناء الإنسان في المرحلة المقبلة ضرورة وطنية وقومية تسبق بناء المصانع والمنشآت، لأنه بدون الإنسان الصالح لا يمكن تحقيق الازدهار والخير لهذا الشعب”. مضيفاً.. “إنه لا تنمية للقدرة المادية بدون أن تكون هناك ثروة بشرية وكوادر وطنية مؤهلة وقادرة على بناء الوطن”. وقال.. “إن بناء الرجال أصعب من بناء المصانع، وأن الدول المتقدمة تٌقاس بعدد أبنائها المتعلمين”.

وآمن الشيخ زايد بأن الإنسان هو أساس الحضارة ومحور كل تقدم، وكان يقول.. “لقد كنت أردد دائما عن قناعة قوية أن الإنسان هو أساس الحضارة وأن اهتمامنا به ضروري لأنه محور كل تقدم فمهما أقمنا من منشات ومدارس ومستشفيات وجسور وغير ذلك فإن كل هذا يبقى كيانا ماديا لا روح فيه لان روح كل هذا هو الإنسان القادر بفكره وجهده وإيمانه على تحقيق التقدم المنشود”، مؤكداً.. “إن التقدم والنهضة لا تقاس ببنايات من الإسمنت والحديد وإنما ببناء الإنسان وكل ما يسعد المواطن ويوفر له الحياة الكريمة”.

وقد تكللت هذه الجهود المخلصة في بناء الإنسان بالنجاح الباهر، وأصبح الواقع المعاش يعكس اليوم ما وصل إليه الإنسان في دولة الإمارات من رقى، ويجسد مدى أهمية هذا الإنجاز في مسيرة الاتحاد والوطن كما أكد ذلك زايد بقوله.. “لقد حصدنا الكثير وحصدنا ما لم يتصوره المواطن أو الصديق أو الشقيق، وأن خير ما حصدناه في هذا الوطن هو بناء الإنسان الذي نعطى له الأولوية في الاهتمام والرعاية”.

وكان الشيخ زايد يحرص، في إطار اهتمامه ببناء الإنسان، على الالتقاء بأبنائه المواطنين الذين يدرسون في الخارج لحثهم على الجد والمثابرة في التحصيل العلمي لخدمة وطنهم ومواطنيهم والمساهمة في مسيرة البناء والتقدم بجد وإخلاص، وكان ينصحهم قائلاً.. “إن قيمة الإنسان بعمله وعلمه، لان العمل خالد يكسب صاحبه الاحترام والتقدير من أهله ومجتمعه، وواجب على أبناء الوطن أن يتحملوا مسؤولية العمل الوطني كل في موقعه بجدية وإخلاص”. وقد عبر زايد في إحدى المرات، بعد اجتماعه مع مجموعة كبيرة من أبنائه الضباط وطلبة وطالبات الإمارات في الجامعات والمعاهد العسكرية المصرية، قائلا.. “الآن أستطيع أن أقول إنني ربحت ولم أخسر”. 

وأضحى اليوم أبناء الإمارات يُشكلون السواعد القوية القادرة على بناء المزيد من صروح التنمية والتقدم.

رعاية الشباب .. وأعطى زايد اهتماماً كبيراً في رعاية ثروة الوطن من الشباب، وحرص على دعوتهم باستمرار إلى التسلح بالعلم والأخلاق حتى يسهموا بدورهم في خدمة الوطن، وأن يلموا بالماضي وظروفه الصعبة والمشاق التي عاشها آباؤهم وأجدادهم ليلموا بحاضرهم ويستشرفوا آفاق مستقبلهم، وكان يردد دوماً.. “إن الآباء هم الرعيل الأول الذين لولا جلدهم على خطوب الزمان وقساوة العيش لما كتب لجيلنا الوجود على هذه الأرض التي ننعم اليوم بخيراتها”. ويضيف إلى ذلك قوله.. “إن الحاضر الذي نعيشه الآن على هذه الأرض الطيبة هو انتصار على معاناة الماضي وقسوة ظروفه” موضحاً.. “إذا القينا نظرة على تاريخ أسلافنا الذين حافظوا على هذا الوطن وحموا ترابه، فإننا نكتشف أنهم قاموا بهذا العمل الجليل دون أن تكون لديهم إمكانيات.. فقد صابروا وصمدوا وحفظوا هذا الوطن لكن بدون إمكانيات أو مؤهلات وعاشوا يصارعون الجفاف والجوع والحاجة والفقر وصبروا حتى أورثونا هذا الوطن”.

وحث زايد الشباب على معرفة أغوار التاريخ لحساب احتياجات مستقبلهم قائلا لهم.. “يجب على الشباب أن يتتبعوا ويسألوا عن التاريخ ويراجعوه سواء أكان التاريخ القريب أم المتوسط أم البعيد حتى يعلموا ماذا مر بهذا الوطن وكيف عاصرته الأجيال التي مضت.. لأنني أومن بأن من لا يعرف ماضيه فهو حتماً لا يعرف حاضره.. أما إذا عرف المرء ماضيه فلا بد أن يعرف حاضره ويعرف ما يجب عليه أن يحسبه من حساب المستقبل”.

وحرص زايد على توظيف قدرات الشباب وحثهم على العمل والإنتاج والالتحاق بمختلف ميادين العمل، باعتبار أن العمل شرف وواجب مؤكداً لهم.. “أهمية العمل وقيمته في بناء الإنسان وعلى أن نهضة الأمم تقوم على سواعد أبنائها”.

وكان يُشدد في القول.. “إن اهتمامنا بالشباب لابد أن تكون له المكانة الأولى، فهؤلاء الشباب هم الجُند، وهم الموظفون، وهم أمل المستقبل”. 

مؤكداً.. “إن الشباب هو الثروة الحقيقية.. وهو درع الأمة وسيفها والسياج الذي يحميها من أطماع الطامعين”.

وبادر الشيخ زايد، في نطاق اهتمامه بالشباب وحرصه على توفير الاستقرار العائلي لهم، بإنشاء صندوق الزواج لدعمهم مادياً وتشجيعهم على الزواج من المواطنات والحد من ظاهرة الزواج من أجنبيات. كما قال.. “إن فكرة إنشاء الصندوق جاءت انطلاقاً من حرصنا على الشباب وعلى الاستقرار الأسري لأفراد المجتمع لما فيه صلاح الوطن”.

وقد تحققت اليوم رؤيته المستقبلية الثاقبة في النجاح الذي حققته مؤسسة صندوق الزواج منذ تأسيسها في العام 1993 في دعم النسيج الاجتماعي وتعميق الانتماء والهوية الوطنية، وأسهمت أيضاً في بناء خلايا المجتمع المواطن.

كما حرص، في الوقت نفسه، على توجيه أبنائه الشباب ونصحهم بالابتعاد عن الإنفاق التفاخري والاقتراض من المصارف، مؤكداً لهم.. “إن على الشباب أن يسعى إلى تحسين دخله بجد وإخلاص خاصة وإن مجال العمل مفتوح أمامهم.. إن عليهم أن يفكروا في يومهم وغدهم لتأمين مستقبلهم ومستقبل أسرهم.. إن على الشباب أن ينفق دخله بتعقل وعلى قدر حاجته الأساسية في حاضره ومستقبله وأن يعيش في حدود إمكانياته ولا يقترض حتى لا تتراكم عليه الديون ويصبح عاجزا عن مواجهة حياته المعيشية”.

ويعبر القائد الراحل عن مشاعر أبوية حانية وهو يقول لهم بتأثر شديد.. 

“إنه من الصعب علي أن أرى شاباً مواطناً في هموم الديون”، ويؤكد لهم: “إن عزة الشباب عزة للوطن.. وأنا حريص على معرفة احتياجاتهم حتى نوفر لهم كل شئ ونرفع مستواهم إلى الأفضل”.

نهضة المرأة ..واهتم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بنهضة المرأة وتقدمها وانتشالها من أغلال القهر التي كانت تكبلها، معلناً.. 

“إن المرأة نصف المجتمع وهي ربة البيت ولا ينبغي لدولة تبنى نفسها أن تبقى المرأة غارقة في ظلام الجهل أسيرة لأغلال القهر”، مؤكداً.. “أنا نصير المرأة في كل ما يضيمها”.

وحدد روية واضحة وشاملة لدور المرأة ومكانتها في المجتمع قائلاً.. “إن مشاركة المرأة في التنمية وإعادة تفعيل المجتمع أمر هام، حيث أن الإسلام يحترم المرأة ويوقرها، وخصص لها مكانتها اللائقة والمناسبة في المجتمع”. 

ويضيف.. “إنني أشجع عمل المرأة في المواقع التي تتناسب مع طبيعتها وبما يحفظ لها احترامها وكرامتها كأم وصانعة أجيال”. وعمل على حث المرأة على اقتحام التعليم بجميع مراحله قائلاً.. “إن أملى في اليوم الذي أرى فيه الطبيبة والمهندسة والدبلوماسية بين فتيات الإمارات”.

وشجع إنشاء الجمعيات النسائية وعمل على دعمها معنوياً ومادياً حتى تأسست جمعية نهضة المرأة الظبيانية في بدايات العام 1972 والتي أعقبها إنشاء جمعيات مماثلة في جميع إمارات الدولة، ومن ثم تأسيس الاتحاد النسائي العام في أغسطس عام 1975.

ودعا إلى أن تفتح كل مجالات العمل أمام المرأة في إطار العادات والتقاليد العربية وأيد دخول المرأة معترك الحياة السياسية، مؤكداً على “مواكبة المرأة الإماراتية للرجل في كافة أوجه الحياة وأن لها الحق الكامل في المشاركة السياسية واتخاذ القرار”.

وسبقت دولة الإمارات الكثير من دول العالم بالإقرار في دستور البلاد على المساواة بين المرأة والرجل وتمتعها بنفس الحقوق والواجبات، بما في ذلك حق العلم والعمل والحصول على الأجر المتساوي مع الرجل، وحق التملك وإدارة الأموال والأعمال، إضافة إلى امتيازات الوضع ورعاية الأطفال وغيرها من المكاسب التشريعية التي تكفل حقوقها الدستورية.

وأصبحت المرأة اليوم بفضل دعم زايد وقناعته بأهمية دورها ومسؤوليتها في تهيئة الأجيال الصاعدة تتبوأ مكانة عالية في خدمة المجتمع خاصة في ميادين الخدمات الصحية والتعليمية وقطاعات الأنشطة الاقتصادية.

وقد أعرب زايد عن ارتياحه لما حققته المرأة من تقدم بقوله.. “إن ما حققته المرأة في دولة الإمارات خلال فترة وجيزة يجعلني سعيداً ومطمئناً بأن ما غرسناه بالأمس بدأ اليوم يؤتي ثماره، ونحمد الله أن دور المرأة في المجتمع بدأ يبرز ويتحقق لما فيه خير أجيالنا الحالية والقادمة”.

وتواصلت إنجازات المرأة اتساقاً مع هذه الرؤية الواضحة، وأصبحت تشغل اليوم أربعة مقاعد وزارية في مجلس الوزراء، وتتمثل بثماني عضوات في المجلس الوطني الاتحادي، وبسفيرتين للدولة في إسبانيا والسويد، وبقنصلات في دول آسيوية وأوروبية أخرى، من بين أكثر من 65 دبلوماسية تعملن في وزارة الخارجية، بالإضافة إلى عملها في الهيئة القضائية والنيابة العامة ومجالات الطيران العسكري والمدني وغيرها من المناصب العليا ومواقع اتخاذ القرار.

نهج الشورى ..وتفرَد زايد، بجانب ما يتفرد به من خصائص الزعامة الفذة والقيادة الرشيدة، بنهجين متميزين اتسمت بهما قيادته للمسيرة الاتحادية، وهما أسلوب الأبواب المفتوحة في الممارسة الديمقراطية وتطبيق مبادئ الشورى بين المواطنين، وأسلوب القدوة في القيادة الذي يقوم على استنهاض الهمم واستنفار المشاعر الوطنية للرعية للمشاركة الفاعلة في مسؤوليات العمل الوطني. فالقيادة ومسؤوليات الحكم في فكر زايد أمانة عظيمة وبذل مستمر وعطاء سخي في خدمة الرعية.

وقد أسهم نهج الشورى الذي اتبعه زايد والذي يتمثل في حرصه على اللقاءات المباشرة مع المواطنين في مواقع عملهم وبواديهم ومدنهم من خلال جولاته الميدانية المنتظمة لأرجاء الوطن، في ترسيخ ركائز الاتحاد وتدعيم بنيانه والتواصل مع المواطنين من خلال سياسة الأبواب المفتوحة بينه وبينهم، حيث أكد دائماً على هذا النهج بقوله.. “إن بابنا مفتوح وسيظل دائماً كذلك، ونحن نرجو الله أن يجعلنا دائماً سنداً لكل مظلوم. إن صاحب أي شكوى يستطيع أن يقابلني في أي وقت ويحدثني عن مظلمته مباشرة”.

وحرص زايد، خلال هذه الجولات الميدانية لأرجاء الوطن كافة، على الالتقاء بالمواطنين على الطبيعة وتفقد احتياجاتهم والاطمئنان على أحوالهم ومتابعة سير العمل في مشاريع التنمية الزراعية والعمرانية والخدمية. كما حرص في هذه الجولات على الوقوف على الإنجازات التي تحققت لخدمة الشعب والاستماع إلى مطالب المواطنين واحتياجاتهم من مشاريع الخدمات بمناطقهم، وهو يقول لهم بكل رحابة صدر.. “إن هدفنا هو إسعادكم وكل ما تطلبونه هو رهن إشارتكم ما دام المال متوافراً، وهذه الثروة ملك للجميع وهدفنا النهوض بهذه البلاد، وهذه الثروة التي أنعم الله بها علينا يجب أن ينعم بها الجميع”. ويضيف إلى ذلك.. “إنني أسعد عندما ألتقي بكم، وأمنيتي إرضاؤكم جميعاً، وما عليكم إلا الالتقاء بي وستجدونني مستعدا لتلبية كافة ما تحتاجون إليه، وأكرر وأقول لكم إن هذه الثروة ثروتكم جميعاً وليس بيني وبينكم حاجز”. وكان يقول أيضاً.. “إن الثروة تزداد كل يوم وآبار البترول تتفجّر وتحمل معها مزيداً من نِعم الله التي يهبها لشعب الإمارات العربية المتحدة، والله لم يُعط الثروة لزايد وحده، وإن كان زايد هو الذي ائتمنه الله على أموال هذه الأمة.. فهو يحاسب نفسه.. وهو أمين مع أمته.. لان البترول هو أمانة بين يدي زايد يتصرف فيه من أجل الوطن وشعبه”.

وقد انطلق زايد، في ممارسة هذا النهج المتفرد في الحكم، من فلسفة شاملة لمسؤوليات الحكم يؤمن بها وحددها بقوله.. “إن الحاكم يجب أن يلتقي بأبناء شعبه باستمرار، ويجب أن لا تكون بينه وبينهم حواجز مهما كانت الظروف”. وأضاف، وهو يؤكد بفكره الثاقب مسؤولية أولى الأمر.. “إن الحاكم، أي حاكم، ما وجد إلا ليخدم شعبه ويوفر له سبل الرفاهية والتقدم، ومن أجل هذا الهدف يجب أن يعيش بين شعبه ليتحسس رغباته ويعرف مشاكله، ولن يتحقق له ذلك إذا عزل نفسه عنهم”.

ولقد استند نهج الشورى عند الشيخ زايد إلى إيمان راسخ بالعقيدة والقيم الإسلامية يحدده بصورة قاطعة بقوله.. “إن حكم الشورى من عند الله ومن لم يطع الله فهو خاسر”. كما ينبع من فلسفته في الحياة التي ترتكز على الإيمان بالله في كل خطواته، كما يقول.. “فلسفتي في الحياة هي أنى مؤمن بأن الأمور كلها بيد الله سبحانه وتعالى، وأن على الإنسان أن يعمل من وحي إيمانه بالله في جد واجتهاد، فإذا وفقت في السعي حمدت الله على توفيقه، وإذا أخطأت الاجتهاد عدت عن الخطأ إلى الصواب.. إن كل شئ في هذه الحياة هو بإرادة الله سبحانه وتعالى ويسيّرها ويدبّرها، وعلى العبد أن يسعى إلى مرضاة الله وأن يفعل ويتوكل وعلى الله التوفيق، ومتى كان إيمان الإنسان بربه قويا فأن الله يهبه راحة الضمير، وتلك هي السعادة القصوى”.

لقد آمن الشيخ زايد بضرورة مشاركة أبناء الشعب في تحمل مسؤوليات العمل الوطني في جميع المواقع، ويقول.. “إن هدفنا في الحياة هو تحقيق العدالة والحق ومناصرة الضعيف على القوى، وليس هناك ما نتحرزه من مشاركة أبنائنا مسؤولية الحكم طالما أن أهدافنا هي هذه. ونحن نرى أن من واجبنا توزيع المسؤوليات على أبناء الوطن وقد عملنا هذا بالفعل، والإسلام ينادى بالديمقراطية الحقّة والعدالة”.

وشجع الشيخ زايد على ممارسة النقد البناء الذي يهدف إلى المصلحة العامة، وقال.. “أنا مع النقد البناء، وكل مجاملة على حساب المصلحة العامة أرفضها رفضا باتاً، فالذين يربطهم مصير واحد لا تجوز بينهم المجاملة غير الحقّة.. مطلوب الصدق لا التصديق.. مطلوب الصراحة وعدم المجاملة، مع الابتعاد عن التجريح”.

وأكد الشيخ زايد أن الحاكم العادل لا يخاف شعبه وإنما يوكل إليه بعض مسؤولياته. ويقول، في معرض حديثه إلى رؤساء وفود اتحاد البرلمانات العربية الذي انعقد في أبوظبي عام 1989 عن التجربة الديمقراطية في الدولة ودور المجلسين الوطني الاتحادي والاستشاري الوطني في تعميق هذه التجربة ودعمها.. “إن ثقتنا بأبنائنا هي التي شجعتنا على تشكيل المجلسين وذلك استنادا إلى ما عرفناه عن أسلافهم وحبهم لهذا الوطن، وإن الحاكم، حين يكون مطمئناً وواثقاً، يوكل إلى أبنائه وإخوانه المسؤولين مساعدته في الوصول إلى ما هو أفضل للوطن”.

وقد تكرس هذا النهج الذي اختطه زايد في ممارسة الشورى في الحكم، بإعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، برنامج التمكين السياسي في العام 2005 لتفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي، ودعم وحفز مشاركة المواطنين في الحياة السياسية، وذلك بإنجاز المرحلتين الأولى والثانية من هذا البرنامج بمشاركة المواطنين في انتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، وتمكين المرأة.

نهج القدوة كما شكّلت الجولات الميدانية المنتَظمة التي كان يقوم بها الشيخ زايد لكافة إمارات الدولة ومناطقها، الأساس في بناء نهضة الوطن، حيث كرس كل جهوده ووقته واهتمامه في توفير المساكن الملائمة للمواطنين حيثما وجدوا وإقامة مجمعات سكنية جديدة أشرف بنفسه في تحديد مواقعها، والتي أصبحت اليوم مدناً عصرية متكاملة تتوفر فيها أرقى الخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية.

واهتم زايد بمشاريع نشر الرقعة الخضراء وزيادة الإنتاج الزراعي لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين وكذلك مشاريع ربط المدن الأخرى بشبكة حديثة من الطرق المعبدة والمضاءة، بالإضافة إلى تعمير وتطوير الجزر والمناطق النائية، ليعيش سكانها عصر النهضة، حيث يؤكد في هذا الخصوص.. “إن سعادة ورفاهية المواطنين أمانة في عنقي، وإنني وإخواني الحكام حريصون على السهر وبذل كل جهد من أجل خير المواطنين وتحقيق المزيد من التقدم والرقيّ للوطن”.

ورسخ الأسلوب المتفرد، الذي انتهجه الشيخ زايد في المتابعة الميدانية لمشاريع التنمية والتطوير وملاحقة مراحل إنجازها، دلالات مهمة لنهج القدوة في مباشرة مسؤوليات الحكم، حدده بقوله.. “إنني أريد أن يراني المسؤولون بأعينهم على رأس العمل وفى أي وقت وبدون تحضير لذلك حتى يقتدي كل مسؤول بهذا الأسلوب في العمل، وصولاً إلى الكفاءة والاقتدار في كل إنجازات الدولة”. وأضاف، بعد أن طلب إليه البعض عدم إجهاد نفسه بهذه الجولات والمتابعات المرهقة لمواقع العمل، قائلا.. “لقد اقترح علي البعض شخصياً أن اترك متابعة سير العمل للمشاريع إلى المسؤولين المكلفين حتى لا أتحمل المعاناة والمشقة خلال وجودي في هذه المواقع وقت الظهيرة وفي فصل الصيف، وكان ردى عليهم أنني المسؤول الأول عن هذه الدولة، فكيف أترك العمل للمسؤولين بدون متابعة مني لما يتم إنجازه خطوة بخطوة، وذلك تحاشيا لأي خلل أو قصور. وبالفعل قد لاحظت قصوراً في بعض مواقع العمل والتي كنت أتطلع إليها بكل الأمل في أن يكون الإنجاز على الوجه الأكمل وبكل كفاءة”.

كما أضاف إلى ذلك، وهو يحدد مسؤولية الحكم وهموم الحاكم العادل.. “وكيف يرتاح ضميري إذا لم ألاحظ وأتابع سير العمل في مشاريع التنمية وغيرها وما إذا كانت تسير بجدية أو بإهمال، ولهذا فإنني أفضل التعب والمشقة مكتفياً بساعات قليلة للراحة في مقابل أن تتم إنجازات الدولة على الوجه الأكمل والصورة المثلى”. وكان يحث، باستمرار، الوزراء والمسؤولين على نكران الذات والاعتماد على العمل الميداني واللقاء المباشر مع المرؤوسين، وتلمّس الحقائق في مواقع العمل التي تحتاج إليها التنمية في البلاد، وأن يرى المواطن، بعينه، الوزير والمسؤول في هذه المواقع، ويحاوره وجهاً لوجه في متطلباته.

نهج العدل والعدالة الاجتماعية ويتجلى حرص زايد على بسط العدل والعدالة الاجتماعية ورعاية مصالح المواطنين والارتقاء بمستواهم المعيشي، في حديثه أمام المجلس الأعلى للاتحاد يوم 30 مايو 1996 حينما قال لهم.. “إن أولى الواجبات علينا كحكام أن نعمل جميعاً يداً واحدة للارتقاء بالمستوى المعيشي للشعب، وإنني أول من تقع عليه مسؤولية رعاية الوطن والمواطنين. 

وأداء الواجب فرضه الله علينا وأن المتابعة هي مسؤولية الجميع الكبير والصغير لكي نقوم بكل ما نستطيع على الوجه الأكمل، لان الشعوب ترتكز دائماً على القيادة وما تبذله من رعاية”. وأضاف إلى ذلك موجهاً حديثه إلى إخوانه الحكام.. “وربما تغيب على الإنسان أمور كثيرة ولا أعلم بها كمسؤول أول لهذه الدولة، ومن الواجب عليكم أن تخبروني إن كان هناك أي تقصير وأنتم عون لي على أداء واجبي، ولن ألوم أحدا غيركم بوصفكم حكاماً وشركاء لي في المسؤولية عن أي تقصير، وسوف أتقبل كل شئ برحابة صدر وسعة بال”. كما أضاف قائلاً: “إنه من السهل أن يرعى الإنسان أسرة أو أقرباء له، ولكن تحمل مسؤولية رعاية الشعوب أمر صعب، وقد فضل الله سبحانه وتعالى الإنسان على جميع المخلوقات وسخّر له ما في الأرض وما في البحار، لهذا يجب علينا أن نعمل لخدمة الإنسان وإسعاده. وإذا كان الله قد فضّل بعضنا على بعض وأنعم عليه بالثروة، فيجب أن يفكر الإنسان في أن هذه الثروة ليست ملكاً له، ولكن الله سخّرها لخدمة عباده”.

وفي حرص بالغ ينبع من شغله الشاغل بالمواطن وضرورة تحقيق رفاهيته وإسعاده، أكد زايد.. “إن دخل المواطن في دولة الإمارات العربية المتحدة يأتي ترتيبه حسب المصادر الدولية بين المركز الأول والثالث على مستوى العالم، وعلى الرغم من ذلك لا يخلو الوطن من ذوى الدخل المحدود، لأنه مهما كان المسؤول على إلمام وإدراك، فلابدّ أن تمرّ عليه أشياء وهو معذور، وإذا كان هناك محتاج في الوطن فهذا لا يجوز، وعلينا كحكام أن نعمل لصالح جميع أبناء الوطن وفي كافة أرجائه”.

بل إنه ذهب أبعد من ذلك في تأكيد حرصه على تحقيق العدل والمساواة بين رعيته محدداً مسؤولية الحاكم تجاه رعيته بقوله.. “إن الحاكم هو وصي على شعبه وعليه أن يقوم بواجباته ومسؤولياته ويسخّر كل الثروة التي وهبها الله لهذا الشعب من أجل رفاهيته وسعادته وأمنه واستقراره”.

كما دعا إخوانه الحكام، بصورة قاطعة، إلى “ضرورة العمل، بحيث يسود العدل والمساواة في المجتمع ولا يسمح بأن تستحوذ الأسر الحاكمة بالثروات ومقدرات الشعوب، ويجب أن تتساوى الأسر الحاكمة، ولها احترامها الخاص في الواجبات والحقوق والمسؤوليات مع جميع أفراد الشعب، ويجب أن تكون متساوية مع الجميع وغير مميزة في الحقوق والواجبات والمسؤوليات”. وأضاف إلى ذلك قائلاً: “إن القائد يجب أن يؤمن بأنه الأمين على الشعب وثروته وأن يطبق على نفسه ما يطبقه على شعبه”.

وأكد الشيخ زايد لأبنائه المواطنين، خلال جولته السنوية المعتادة في العام 1997.. “إن دولة الإمارات ستظل ماضية في مسيرتها ليعم الرخاء الدولة وتصل الرفاهية لكل فرد من أفراد هذا الشعب”. وانطلاقاً من هذا التوجه، الذي يجسّد عظمة القيادة الفذّة في تلمّس وتحسّس آمال المواطنين وطموحاتهم، أمر زايد في 5 أبريل 1998 بتوفير المساكن والمزارع للمواطنين في مختلف أنحاء الدولة، وقال إنه يريد أن يحصل المواطنون الذين ليس لديهم دخل سواء في أبوظبي أو في العين أو في الإمارات الأخرى، على مساكن، مؤكداً.. “أنه يريد الخير لشعب الإمارات”.

وتساءل، بأحاسيس تجسّد حرص ولي الأمر على رعيته وتنبض بمشاعرهم.. “كيف يكون هناك مواطنون يسكنون بإيجار في أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة وغيرها”. ودعا إخوانه الحكام إلى توزيع الأراضي على المواطنين ليبنوا عليها.. “لأنهم أهلنا وهم الذين يحفظون الأرض والوطن ولهم في الأرض ما لنا”. وأكد، في أكثر من لقاء، حرصه على توفير السكن للمواطنين الذين يعملون ويبذلون العطاء، ويقول في هذا السياق.. “إن برامج الإسكان والتوسع في التملك مستمرة حتى يشعر المواطنون بأنهم يمتلكون في وطنهم ما يؤمن راحتهم وراحة أبنائهم ويعود عليهم بالكسب والمنفعة”، مؤكداً.. “إن شعب الإمارات يستحق كل الخير”.

وانطلق، تنفيذاً لهذه التوجهات، في العام 1999 برنامج الشيخ زايد للإسكان الذي يقضي بتخصيص 640 مليون درهم سنوياً (تتجاوز الآن 4ر1 مليار درهم سنوياً) لبناء مساكن للمواطنين في جميع أنحاء الدولة، بهدف توفير الحياة الكريمة لهم وتحسين مستوى معيشتهم وتحقيق الاستقرار الاجتماعي لهم. وقد نجح البرنامج في تغطية حاجات عشرات الآلاف من الأسر المواطنة.

ولقد عبّر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عن ارتياحه وسعادته لما حققه للوطن من تقدم ونهضة ولشعب الإمارات من رخاء ورفاهية، وذلك بفضل التلاحم والترابط والمحبة المتبادلة بين القيادة الملخصة والشعب الوفي، وتضافر الجهود وتسخير الإمكانيات لبناء ازدهار الوطن، قائلاً في هذا الخصوص.. 

“في الحقيقة إنني سعيد واشعر بالسعادة الكبرى لأن الله سبحانه وتعالى أراني ورأيت هذا الوطن قبل سنوات في وضع ووجدته اليوم في وضع آخر وضع مزدهر ومتقدم إن كان في الوطن أو في الشعب وفي كل مجال من المجالات، وهذا ما هو إلا هبة من الله سبحانه وتعالى وتوفيق ودعم من الخالق لعباده ورضى الله على عباده في أرضه”.

كما أكد.. “إن كل ما سهرت عليه مع إخواني حكام الإمارات بحرص وصبر قد تحقق، ولقد وصلنا بعون الله وتوفيقه مرحلة رسخنا فيها أقدامنا على طريق بناء الوطن وحققنا أهدافاً كانت تبدو بعيدة المنال والتي لم تتحقق بسهولة، بل تحدّينا من أجلها الصعاب”. وأضاف إلى ذلك.. “إن ما أنجز يفوق كل تصور وذلك بعون من الله وتوفيقه أولاً وبتوفير الإرادة المخلصة، وإنه ليس هناك مستحيل أمام العزم الأكيد وإخلاص النوايا لخدمة الشعب”.

وعلى الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد تمكنت خلال فترة وجيزة من بناء نهضة حضارية شاملة وبنية تحتية حديثة وتقدم وازدهار بارزين في جميع مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما وضعها في مصاف الدول المتقدمة في العالم، إلا أن زايد كان يطمح باستمرار في تحقيق المزيد من التقدم للوطن والخير للمواطنين، وقال.. “إن ما تحقق يستحق الشكر والحمد لله على هذه النعمة، وما زال أمامنا خطوات يجب أن نقطعها بجدية وإخلاص، والله يعلم أنني وإخواني الحكام مستمرون على هذا الطريق والنهج نفسه لتحقيق المزيد من الإنجازات وتوطيد أركان الدولة، لأنها السبيل إلى الرقى وتعزيز مكانتنا بين دول العالم”. وأضاف.. “إن كل ما تحقق يفرض علينا المزيد من العمل لأنني أؤمن بأن العمل باق وخالد وكل إنسان سيكون له عمله أمام الله والعباد، وإننا لا نريد من عملنا إلا المجد لأمتنا وأجيالنا القادمة”، مؤكداً.. “إن العمل هو الخالد لا الإنسان”.

زايد والبيئة وانطلق اهتمام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بالبيئة وضرورة الحفاظ عليها وتنميتها، من نظرة استهدفت تحقيق التوازن بين التنمية والبيئة، والحفاظ على حقّ الأجيال المتعاقبة في التمتع بالحياة في بيئة نظيفة وصحية وآمنة، كما أكد ذلك بقوله.. “إننا نولى بيئتنا جلّ اهتمامنا لأنها جزء عضوي من بلادنا وتاريخنا وتراثنا. لقد عاش آباؤنا وأجدادنا على هذه الأرض وتعايشوا مع بيئتنا في البر والبحر، وأدركوا بالفطرة وبالحسّ المرهف، الحاجة للمحافظة عليها، وأن يأخذوا منها قدر احتياجاتهم فقط، ويتركوا منها ما تجد فيه الأجيال القادمة مصدراً ونبعاً للعطاء”.

وأكد في كلمته في العيد الوطني الثاني والثلاثين قائلاً.. “لقد عملنا منذ قيام دولتنا على حماية البيئة والحياة البرية وتوفير كل الأنظمة والتشريعات والبرامج والمشاريع، التي جعلت من دولة الإمارات سبّاقة إلى الاهتمام بالبيئة، ونموذجا يُحتذى على المستوى العالمي في الاهتمام بالبيئة وحمايتها وحفظها.. هذه الإنجازات يجب أن تكون حافزاً لنا جميعا، وخاصة لشباب الإمارات جيل المستقبل، لمواصلة العناية بالبيئة والمحافظة عليها سليمة ونظيفة، لأننا إذا لم نفعل فإننا سندمر الموارد التي حبانا بها الله سبحانه، فهذه الموارد ليست لنا وحدنا، بل هي أيضا لأبنائنا وأبناء أبنائنا”.

وقد سبق زايد العالم في الاهتمام بالبيئة، كما أكد ذلك بقوله.. “إن اهتمامنا بالبيئة ليس وليد الساعة، إنما هو اهتمام أصيل وراسخ دعونا له ومارسناه وطبّقناه، قبل أن يبدأ اهتمام العالم بسنوات عديدة”. وكان قد قال، في كلمة افتتح بها المؤتمر الوزاري الآسيوي الثاني للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحـر، الذي عقد في أبوظبي في شهر يونيو 2003.. “إن دولة الإمارات استطاعت التعايش مع البيئة الصحراوية التي تشكل حوالي ثلاثة أرباع مساحتها، والتكيف مع مواردها المحدودة لسنوات طويلة، وإنه بفضل جهود أبناء الإمارات المخلصين، استطاعت الدولة قهر الظروف الصعبة وتحقيق ما اعتبره الخبراء مستحيلاً، فبدأت الرقعة الخضراء تتّسع والصحراء تتراجع أمام اللون الأخضر”. وأكد: “إن دلالات ذلك واضحة من المساحات الواسعة من الغابات والمزارع والحدائق وملايين الأشجار والنباتات من كل الأنواع، التي باتت تنتشر بصورة متزايدة ومستمرة وسط الأراضي الصحراوية، وتقف اليوم شاهداً على ضخامة الجهد المبذول وعلى عظمة الإنجاز الذي تحقق”.

وأكد السكرتير التنفيذي لأمانة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر حينها السيد أهاما أرب ديالو أن اختيار دولة الإمارات لعقد هذا المؤتمر على أرضها، جاء تقديراً للإنجازات التي حققتها في مجال مكافحة التصحر. 

وأكد أن صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة ظل لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن داعماً لمفهوم التنمية المستدامة، وأن إحدى أهم إنجازات زايد غرس أكثر من 100 مليون شجرة و47 مليون نخلة في أرض الإمارات، لوقف زحف الرمال على الأراضي الزراعية.

وقد أكسب الاهتمام بقضايا البيئة، دولة الإمارات العربية المتحدة شهرةً عالميةً ومكانةً دوليةً مرموقةً، خاصةً في ميادين الحفاظ على الطبيعة ومكافحة التصحر، وتنمية الحياة البرية والبحرية، وإقامة المحميات الطبيعية، وتشجيع ودعم البحوث العالمية للحفاظ على أنواع متعدّدة من الحيوانات النادرة المُهدَدة بالانقراض عالمياً، مثل غزال المها والنمر العربي وأبقار البحر والسلاحف الخضراء، وكذلك البرامج المتقدمة باستخدام أحدث التكنولوجيا لتكاثر الطيور البرية من بينها الصقور والحبارى.

وأنشأ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في إطار اهتمامه بإقامة المحميات الطبيعية، محمية جزيرة صير بني ياس التي تقع إلى الغرب من مدينة أبوظبي على بعد 250 كيلومترا، وتبلغ مساحتها حوالي 230 كيلومتراً مربعاً، أضيف إليها جزيرة صناعية على مساحة عشرة كيلومترات مربعة لتكون قاعدة للتجارب الزراعية. وقد أصبحت الجزيرة التي كانت طبيعتها صخرية جرداء، من أكبر المحميات الطبيعية في شبه الجزيرة العربية.

وحصلت دولة الإمارات العربية المتحدة، بجهود زايد، على العديد من شهادات التقدير والجوائز من المنظّمات العالمية والإقليمية، تقديراً لجهودها المتميزة في ميادين الحفاظ على البيئة وتنميتها. كما تم اختيارها مقراً للأمانة العامة للهيئة التنسيقية للصندوق العالمي للحفاظ على الطبيعة لصون المها العربي، وكذلك اختيارها في العام 2000 لمنصب رئاسة جماعة السلاحف البحرية لمنطقة غرب المحيط الهندي، التي تتبع للاتحاد العالمي لصوْن الطبيعة، وذلك تقديراً لدورها في مجال حماية الأنواع المُهدَدة بالانقراض من السلاحف البحرية. وتبني مؤتمر القمة للتنمية المستدامة الذي انعقد في مدينة جوهانسبيرج في جنوب إفريقيا خلال شهر سبتمبر 2002 مبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية، التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول المتقدمة والدول النامية في ميادين المعلومات البيئية.

الزراعة والتشجير ..ورغم آراء الخبراء الدوليين، الذين كانوا يرون استحالة الزراعة في الطبيعة الصحراوية والظروف المناخية الصعبة لدولة الإمارات، إضافة إلى قلة المياه وشح الأمطار، فقد مضى زايد، بعزيمة قوية، قُدماً في تطبيق رؤيته للزراعة والتشجير، فخصّص مساحات شاسعة من الأراضي لإقامة مشاريع طموحة للغابات ونشر المسطحات الخضراء لحماية الحياة البرية، مما أنعش الحياة في البيئة الصحراوية وأوقف الزحف الصحراوي، وأسهم في تنمية وعي المواطنين واهتمامهم بالزراعة وارتباطهم وتمسكهم بالأرض.

وأكد زايد، في كلمته في الأول من ديسمبر 2003 بمناسبة العيد الوطني الثاني والثلاثين، ذلك بقوله.. “لقد تمكنا من تحويل أرض هذا الوطن، التي قيل أنها لا تصلح للزراعة والتنمية، إلى مزارع تنتشر على مدى البصر.. 

وإلى حدائق وغابات خضراء ومصانع إنتاجية”. وأعرب عن اعتزازه لما حققته الإمارات من إنجازات في مجال الزراعة والتشجير، ومنحت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في 2 يونيو 2001 (ميدالية اليوم العالمي للأغذية) اعترافاً بجهوده ومواقفه المشرفة والعظيمة في خدمة البشرية جمعاء. وقد أشاد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية حينها السيد جاك ضيوف في شهر يوليو 2003 بجهود دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة زايد وإنجازاته العينية في مكافحة التصحر وحماية الأنواع النادرة من الحيوانات والنباتات، وقال إن منظمة الأغذية والزراعة العالمية تبني كل استراتيجياتها وخططها وبرامجها على مبدأ استدامة التنمية، وأن هذا المبدأ يتوافق مع الفكر البيئي الإنمائي للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

وقد حصل زايد، في مجال حماية البيئة وتنميتها، على نحو 18 جائزة ووساماً وشهادة تقدير عربية وإقليمية ودولية، من بينها شهادة /الباندا الذهبية/ من الصندوق العالمي للحفاظ على البيئة، وجائزة /بطل الأرض/ من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وميدالية /اليوم العالمي للأغذية/ من منظمة الأغذية والزراعة العالمية، و/وشاح رجل الإنماء والتنمية/ من جامعة الدول العربية.

الوفاق والتضامن الإسلامي وحظي زايد، لما تميز به من مصداقية وصراحة وشجاعة في القول والمواقف، بتقدير إقليمي ودولي كبيرين، وكان يعد واحداً من الزعماء القلائل في العالم من الذين يتصفون بالحكمة وبُعد النظر والحنكة السياسية، لما لعبه من دور بارز ومحوري في الساحات الإقليمية والدولية.

وسخر زايد كل إمكانيات الدولة، وكرس كل جهوده الخيرة من أجل تحقيق الوفاق بين الأشقاء وحل الخلافات العربية بالتفاهم والتسامح، حتى أصبحت جهود دولة الإمارات لتحقيق التضامن العربية سمة بارزة من سمات سياستها الخارجية، وأصبح زايد، بحق، رائداً قومياً في الدعوة والعمل لجمع الشمل وتوحيد الصف.

ودأب زايد على التنبيه، بصورة مستمرة، إلى خطورة استمرار حالة التمزق والتردي التي تمرّ بها الأمة العربية، حيث عبر عن هذا الوضع بقوله..

“إنني منذ بداية خلافات العالم العربي وحتى يومنا هذا، لم أبت ليلة واحدة مسروراً لأي خلاف بين شقيق وشقيقه، ولا بين صديق وصديقه”. وكان يدعو إلى نبذ الفرقة والخلاف بالحسنى والصراحة والتراحم والسماحة، ويقول.. “إن الله سبحانه وتعالى الذي خلق العباد، يحاسب ويسامح، ولذلك علينا، كعرب، أن نعتمد في معالجة قضايانا على سلوك يتّسم بالحساب والسماحة في نفس الوقت”.

وحرص على دعوة إخوانه الملوك والرؤساء العرب باستمرار إلى مراجعة شاملة للموقف العربي، واتخاذ القرارات تجاه كل ما يحدث في الوطن العربي، والعدول عن طريق الخسارة، بالعقل والتحرك الواعي، وتعويض ما مر على العرب من خسارة لدعم المصالح المصيرية المشتركة، وأكد في هذا الخصوص.. 

“إن الأمة العربية كبيرة في حجمها وثرواتها وخيرها ولله الحمد، ويجب علينا الالتزام بتحمل المسؤولية، وأن نعدل عن طريق الخسارة والضعف الذي نسير فيه حالياً، وأن نسعى بكل جهد ممكن، ودون إبطاء، لتعويض ما مر بنا من خسارة، ونسير في الطريق الصواب”.

كما كان يؤمن أن التسامح هو الطريق الذي يؤدي إلى التضامن، ويقول.. “إن التسامح هو مفتاح التضامن، ونحن نادينا دائماً بضرورة جمع الكلمة وتعزيز مسيرة التضامن والتلاحم والوفاق بين الأشقاء”.

مناصرة ودعم القضية الفلسطينية ..تبوأت القضية الفلسطينية وعروبة القدس الأولوية المطلقة في فكر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وهمومه القومية. وقدم طوال حياته الحافلة بالعطاء دعماً بلا حدود لنضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المغتصبة، والصمود في وجه ممارسات وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة دعم القدس في مواجهة عمليات الاستيطان ومحاولات طمْس هوية المدينة المقدسة وتفريغها من سكانها. 

وأكد، في أكثر من مناسبة، “إن دولة الإمارات لن تدخر جهْداً من أجل شدّ أزر الفلسطينيين ودعمهم ونصرة القضية الفلسطينية بكل ما تملك”. وكان يؤكد أيضاً.. “إن الدفاع عن الأراضي المقدسة واجب كل مسلم، وإن واجب الشقيق الوقوف إلى جانب شقيقه في السراء والضراء، وإن العدو سيعمل ألف حساب عندما يكون العرب متضامنين”.

وكان زايد يدين بشدة وصراحة وشجاعة كل عمليات العدوان والقصف والقتل والبطش ضد الشعب الفلسطيني وقياداته، ويُعبر عن استيائه الشديد لمواقف المجتمع الدولي حيالها، ويقول.. “لو مورست هذه العمليات العدوانية على غير بشر، كنا شاهدنا موقفاً أكثر قوة وشدة”.

وأيد المغفور له الشيخ زايد انطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم، إلا أنه عبر عن قلقه لتعثرها ووضْع إسرائيل العقبات أمامها. وحذر، في حديث لصحيفة /نيويورك تايمز/ الأمريكية في 31 مايو 1998، من أنه “إذا استمر التعثر في عملية السلام، ستشعر الشعوب العربية باليأس والإحباط.. وقد تتعرض المنطقة للعنف والاضطرابات التي يصعب السيطرة عليها. مؤكداً.. //إن أي حاكم في هذه الحالة ماذا يقول لشعبه.. فالحصان إذا أفلت جماحه تصعب السيطرة عليه”.

كما حذر سموه، في حديث آخر في 5 مايو 1998، من أن الخطر الذي يمس الشعب الفلسطيني، يمس إخوانه العرب أيضاً. وقال.. //إن الذئب إذا اعتدى على الغنم ولم يتصد له أهلها وتركوه، جاءت بعده كل الذئاب، أما إذا تبعوه في نصف الطريق، فلن يصل إلى مبتغاه”.

وأكد سموه أيضاً، في توجيهات إلى مجلس الوزراء في 30 مارس 1997، “إنه لا سلام ولا أمن بدون القدس الشريف التي تحظى بالأولوية واهتمام المسلمين كافة”. ودعا المغفور له الشيخ زايد، في حديث قبل نحو عام من وفاته (وكأنها وصية) القوى الفلسطينية إلى الصبر والصمود. وقال.. “إنني أدعوهم إلى الصمود والثبات، وأقول لهم اصبروا.. المستقبل لكم رغم البغي والطغيان والاستبداد الذي تتعرضون له.. كونوا يداً واحدة.. وصوتاً واحداً.. وأقول لهم ليس كل من يملك القوة يتحكم ويهيمن.. هذا هو قانون الحياة.. وعلى القوي أن يأخذ العِبر من التاريخ من الذين سبقوه من الدول.. هل اليوم لهم وجود”.

وتبنى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في حياته العامرة بالعطاء في مجالات التنمية والبناء والعمل الخيري والإنساني، العشرات من المشاريع الحيوية لدعم صمود الشعب الفلسطيني، والحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للمناطق الفلسطينية التي تحاول قوات الاحتلال طمْسها. 

وتكفل ببناء وإعادة ترميم المستشفيات والعيادات الصحية والمدارس والمساجد ومشاريع البنية التحتية والخدمية الأخرى التي تعرضت لدمار شامل نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني، من بينها بناء وإعادة إعمار نحو 800 وحدة سكنية في حي السلطان في رفح وحي الزيتون في غزة، وبناء مدينة الشيخ زايد شمال غزة، إضافة إلى ترميم وصيانة المئات من المنازل المدمَّرة في مختلف مناطق فلسطين، وإنجاز العديد من المستشفيات الكبيرة من بينها مستشفى الشيخ زايد في رام الله والمستشفى الإماراتي في مدينة البيرة، وتجهيز مستشفى زايد الجراحي في رام الله بأحدث المعدات الطبية، وبناء مجموعة من العيادات العلاجية في باحات المسجد الأقصى، عدا المراكز المتخصصة لرعاية الأطفال المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وترميم وتأهيل قبة الصخرة في الحرم القدسي الشريف، عدا مشاريع الإغاثة والمساعدات الإنسانية التي تنفذها المؤسسات الخيرية، ومن بينها مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية،ن ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، وهيئة الهلال الأحمر، والمِنح والمساعدات المالية الكبيرة لدعم السلطة الوطنية الفلسطينية.

الإرهاب والتسامح ..واتخذ زايد مواقف ثابتة وشجاعة تجاه رفض وإدانة ظاهرة الإرهاب بكل أشكاله وصوره ومصادره، وأكد دعمه الكامل للجهود الدولية والإقليمية لمكافحة هذه الظاهرة التي لا تمثل الإسلام وسماحته، والذي اعتبرها عملاً بغيضاً من وجهة نظر الإسلام والأديان السماوية، وعدواً لدوداً للإنسانية جمعاء.

ودعا زايد، دوماً، إلى التسامح والتراحم في العلاقات الإنسانية بين الشعوب وأكد، في أكثر من موقف، أن الدين الإسلامي لا يعرف العنف والبطش الذي يمارسه الإرهابيون الذين يدعون الإسلام زوراً، وأن الإسلام هو دين المحبة والغفران والتسامح والرأفة، وأن المسلم لا يجوز أن يقتل أخاه مسلماً كان أو غير مسلم.

ودعا سموه، في كلمة وجهها إلى رجال الدين وأهل العلم في العالم العربي والإسلامي يوم 22 مارس 1993 إلى التصدي لظاهرة التطرف الديني الذي يرفضه الإسلام، وتوعية الشباب بمبادئ الدين الحق الذي يدعو إلى التسامح والتراحم ويرفض قتل المسلم لأخيه المسلم. وقال سموه في رسالته.. “إن الواجب يحتم على أهل العلم أن يبينوا للناس جوهر الإسلام ورسالته العظيمة بأسلوب يليق بسماحة الدين الحنيف، الذي يحث على الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة حتى يستجيب الناس ويواجهوا الإرهاب باسم الدين والقتل باسم الدين”.

وأكد، في لقائه مع الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا في 11 نوفمبر 1993 بأبوظبي، أن الإسلام دين رحمة وتسامح وغفران وتفاهم وتقارب بين البشر ومعاملة بالتي هي أحسن، وأن الدين الإسلامي لا يعرف العنف والبطش الذي يمارسه الإرهابيون الذين يدعون الإسلام زوراً، وباسم هذا الادعاء يذبحون إخوانهم وأهلهم للوصول إلى أهدافهم المغرضة تحت شعار الدين، في سلوك مشين، والإسلام منهم براء.

ونبذ الشيخ زايد، انطلاقاً من روح التسامح التي يؤمن بها، ظاهرة التطرف الديني. وأكد في لقائه مع عدد من السفراء الجدد يوم 29 مارس 1988.. “إن البشرية لها قيمة عظمى عند الله سبحانه وتعالى، ويجب أن تُعامَل بما أراده الخالق لها من خير ورفاهية، وان الإسلام يكرم الإنسان لأن المولى عزّ وجلّ كرّمه، وانه يعتبر النفس البشرية أمانة يجب ألا تُهان أو تُذلّ أو تُعامَل بدون عدالة أو بدون حقّ، وأن قتْل النفس البشرية بغير حقّ يعتبر ذنباً عظيماً لأن من قتل نفساً بدون حقّ كمن قتل البشرية كلها” ويضيف سموّه.. “إن الدين الإسلامي يعامل جميع البشر على السواء، لا فرق بين مسلم وغير مسلم، وان الله سبحانه وتعالى، عندما بعث نبيّه سيّد المُرسَلين محمداً صلى الله عليه وسلم، أمره بأن يجادل بالتي هي أحسن، وأنه لو كان فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حوله”.

وكان الشيخ زايد قد أجرى، إثر الهجمات الإرهابية التي وقعت في نيويورك، اتصالاً هاتفياً في 17 سبتمبر 2001 مع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، أكد فيه موقف دولة الإمارات الثابت في رفض الإرهاب بكل صوره وأشكاله، قائلا.. “إن الإرهاب بغيض من وجهة نظر الإسلام والديانات السماوية الأخرى، وهو عدو لدود للإنسانية جمعاء” وشدد على أن هذه الأعمال الإجرامية تستوجب تضامن المجتمع الدولي لمحاربتها والقضاء عليها واجتثاثها أينما كانت، وأكد على أن التضامن الدولي ضد الإرهاب يجب أن ينطلق من مبادئ ثابتة لا تكيل بمكيالين، وأن على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي العمل أيضاً، وفى الوقت ذاته، على وقف أعمال الإرهاب الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكي لا تشعر شعوب العالم بالظلم والإجحاف.

ووجه الشيخ زايد رسالة مباشرة إلى قادة الدول الخمسة عشرة الأعضاء في الحلف الأطلسي أكد فيها موقف دولة الإمارات العربية المتحدة الواضح والثابت تجاه الإرهاب، وإدانتها، بكل شدة، العمل الإرهابي والإجرامي الذي وقع في الولايات المتحدة الأمريكية وذهب ضحيته آلاف القتلى والجرحى من الأبرياء. وقال إن دولة الامارات تدين أعمال الإرهاب في كل مكان، بما في ذلك الإرهاب المستمر الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي يومياً في الأراضي الفلسطينية وضد الشعب الفلسطيني الأعزل. وشدد زايد في رسالته، بكل صراحة ووضوح.. “إن العالمين العربي والإسلامي، لا يمكن أن يتقبلا ما يحصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة من قتل يومي وتشريد للمدنيين وطردهم من بيوتهم واستيلاء على ممتلكاتهم، لان ذلك شئ مرفوض سياسياً وأخلاقياً”.

وأكد في حديث مهم في 6 أكتوبر 2003 بصورة قاطعة، أن روح الإرهاب بعيدة كل البعد عن الإسلام، دين التسامح والوسطية، وقال.. “هذا ظلم للإسلام. 

على الذين يرددون هذه المزاعم والاتهامات على هواهم وبدون براهين، أن يعودوا إلى القرآن الكريم. نحن نقبل كلام الذين يقرءون كتاب الله، أما الاتهامات التي تُوجَّه بدون أساس لعباد الله، فهي غير مقبولة”. ويضيف.. 

“إن الإسلام ينبذ الإرهاب والاعتداء على البشر في كل مكان.. يستحيل على المسلم والعربي أن يقوم بإرهاب البشر. إن الضغوط التي تُمارَس على العالم العربي لا تُرضي الله أو رسوله أو العرب والمسلمين، وعلى الذين يتهمون الإسلام والعرب والمسلمين بالإرهاب ويتطاولون، عليهم أن يحددوا لنا من هو الإرهابي.. هل هم المسلمون أم من يعتدي عليهم وعلى النساء والأطفال والمسنين والعجزة. إن كلام الله موجود وهو لا يحل للمسلم أن يسمح له بان يكون إرهابياً.. وعلى هؤلاء أن يعلموا أن المسلمين يتصدون لأي شخص ينتمي للإسلام بينما هو يرتكب في الوقت ذاته أي أعمال تُرهب البشر. إن الإرهابي هو عدو الإسلام والبشر، بينما المسلم صديق للبشر وأخ للمسلمين وغير المسلمين، لان الإسلام دين رحمة في الأرض ودين تسامح”.

كما قال في آخر كلمة، قبل رحيله، وجهها للأمة في الأول من ديسمبر 2003.. 

“إننا نؤكد أن لا الشرائع السماوية ولا القانون الدولي ولا شرعة حقوق الإنسان، تعطي أي مبرر لممارسة الإرهاب، وأن أية محاولة لاستخدام الدِّين لتبرير هذه الأعمال محاولة خاطئة من أساسها لأنها تنافي كل الأسس والمبادئ والقيم والتعاليم الدينية والإنسانية”. وأضاف سموه.. 

“إننا نرفض بكل شدة الدعوة إلى الكراهية والعنف ونشر الفرقة بين شعوب العالم، وسنواصل طريقنا في دولة الإمارات للمحافظة على مجتمعنا المتجانس والموّحد المتمسك بقيمه وتراثه والمنفتح على العالم والمتفاعل مع ثقافاته وإبداعاته”.

الأيادي البيضاء …واقترن النهج القومي الإنساني الأصيل لزايد بمواقف مشهودة تمثلت في نصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية, ومساندة قضايا الحق والعدل في العالم.

وامتدت أياديه البيضاء لتعطي بسخاء في ساحات العمل الإنساني والخيري، والوقوف إلى جانب الأشقاء والأصدقاء في حالات الأزمات والكوارث الطارئة التي تمر بها للتخفيف من وقعها على شعوبها، إيماناً من سموه.. “إن خير الثروة التي حبانا بها الله يجب أن ينعم به أصدقاؤنا وأشقاؤنا”، ولقناعته بأن “هذه هي حقوق الله على عباده، وهذه هي تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف”.

وانطلاقاً من هذه الرؤية العميقة وحب عمل الخير لخدمة الإنسانية والبشرية، أسس زايد في العام 1971 صندوق أبوظبي للتنمية، ليكون عوناً للأشقاء والأصدقاء في الإسهام في مشاريع التنمية والنماء لشعوبهم.

كما أنشأ، في العام 1992 مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية برأسمال يزيد عن مليار دولار، لتكون ذراعه الممتدة في ساحات العطاء الإنساني في جميع مجالاته داخل الدولة وخارجها.

وقد تبوأت دولة الإمارات، بفضل جهود زايد ومبادراته الإنسانية في مناصرة الضعفاء ومساعدة المحتاجين ونجدة الملهوفين وإغاثة المنكوبين، مكانة الصدارة والريادة في ميادين العمل الخيري والإنساني إقليمياً ودولياً.

الوصيـة ..وأوصى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قبل رحيله بنحو عام، في كلمته في الأول من ديسمبر 2003 بمناسبة العيد الوطني الثاني والثلاثين، أبناءه المواطنين على الجد والعمل، للحفاظ على المكتسبات الوطنية التي حققتها المسيرة الاتحادية والخير الوفير الذي ينعمون به. وقال موجهاً حديثه بصورة خاصة إلى الشباب.. “إن ما تحقّق من خير وفير، لن يدوم دون مزيد من الجهد والبذل والتضحيات.. إن علينا أن نكد من أجل حماية مكتسباتنا الوطنية وتعزيز مسيرة اتحادنا، وتحقيق المزيد من العزة للوطن والرخاء للمواطن، وهذا لن يتأتى دون مشاركة بنّاءة وفاعلة من الجميع. لقد أصبحنا في نعمة ما كنا نحلم بها، ولذلك أناشدكم ذكوراً وإناثاً أن تبذلوا كل جهد من أجل صيانتها ورعايتها، حتى تحصدوا أنتم وأبناؤكم ثمارها على الدوام إن شاء الله.. عليكم ألا تدخروا جهداً من أجل العمل بكل ما أوتيتم من طاقات وإمكانيات.. إياكم والكسل والتقاعس والتهاون، فإن النِّعم لا تدوم إلا بالجهد والنشاط والعمل الجاد وشكر الله وحمده.. كونوا حسبما نتوقعه منكم رجالاً ونساء،ً تعملون من أجل بلدكم بكل جد وتفان وإخلاص.. إنكم اليوم، والحمد لله، في ذروة العز والازدهار تنعمون بالخير والاحترام، فثابروا واستمروا وتفاعلوا مع العالم الذي من حولكم، وخذوا منه ما يفيدكم وينفع بلدكم، واطرحوا جانباً ما يضركم ويسئ إلى مجتمعكم وقيمكم وتراثكم العريق”. وأكد لهم: “إن العمل الوطني لا يتوقف عند حد، والمسؤولية تقع الآن عليكم يا شباب الإمارات وشاباتها، لتحوّلوا الفرص التي أتيحت لكم إلى نقاط انطلاق لمزيد من العطاء لوطنكم وشعبكم. إننا ننظر إلى مفهوم المواطنة بمعنى الولاء للوطن والالتزام بالعمل من أجله. المواطنة تستدعي من كل منا أن يكون العطاء للوطن له نبراساً وهادياً، فالوطن كلٌّ متكامل، وبناؤه يستوجب تضافر جهود الجميع وتكاتفهم واستعدادهم لخدمته وحمايته”.

ولقد كان من رضا الخالق سبحانه وتعالى على شعب الإمارات أن وهبه قائداً رشيداً حكيماً فذاًً يرفق بهم ويرعاهم ويحمل أمانتهم ويؤمن أن حُكم الناس لا يتأتى ألا بالحرص على مصالحهم كما أكد بنفسه.. “بعد مرور هذه السنوات التي قضيتها فى خدمة بلدي وأمتي وفى إرساء قواعد الاتحاد وبناء مؤسساته وتطويرها، وبلورة أسسه وركائزه وتحديد مساره، بعد هذه السنوات أشعر فعلاً، والحمد لله، بالغبطة والسعادة، لان المحصلة كانت، بفضل الله ورعايته وتوفيقه، محصلة خيرة غنية وطيبة. لقد اكتسبت من خلال ممارسة الحكم خلال هذه السنوات التي صقلت نظرتي إلى الحكم والقيادة والمسئولية، ولعل أهم خلاصة تركزت في ذهني وتجربتي هي، أن حُكم الناس لا يتأتى ولا يترسخ ولا يدوم، إلا بالحرص على مصالح الناس”.

لذلك، فإن زايد سيظل بيننا نبراساً نهتدي بإرثه، ورمزاً خالداً في حياتنا، كما أكد ذلك صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، بقوله.. “إن زايد لن يفارقنا، فقد خلد ذِكراه في نفوسنا وقلوبنا بجلائل أعماله، وسيظل حاضراً بيننا ومعنا دائماً وأبداً”.

Related posts