الإفطار الجماعي في المساجد يعزز الجيرة .. تقليد إماراتي لا يزال حياً رغم حضور المؤسسات الخيرية

Ramadan Souk in Fujairah

موقع الطويين : البيان

ما يميز الإماراتيون في شهر رمضان، إقامة إفطارات جماعية في المساجد القريبة منهم، التي يشارك فيها أهل الحي والأحياء المجاورة، بإعداد وجبات الإفطار طوال أيام الشهر الفضيل، وهو سلوك راسخ يقود حتماً إلى زيادة الألفة والترابط بين سكان الحي ويزيد من فرص التعارف بينهم، وتحقيق الأجر والثواب من رب العالمين، ومساعدة شرائح من المجتمع بتوفير وجبات إفطار مجانية لهم، ففي مشهد قبيل وقت الغروب، نجد شيوخاً وشباباً وحتى أطفالاً تعج بهم الشوارع يحملون على أكفهم أطباقاً تفوح بأنواع الطعام متوجهين بها إلى المساجد، حرصاً منهم على كسب أجر الصلاة في المسجد، والمساهمة في إفطار الصائمين والمارة.

لطالما كان الإفطار في المساجد، من الأسس الاجتماعية الراسخة في مناطق القرى كما هو الواقع في المدن أيضاً، إنه سلوك إيجابي بكل المقاييس، رغم أنه بدأ في الاضمحلال والتراجع نسبياً في بعض المناطق والمدن، التي حرصت فيها المؤسسات الخيرية المختلفة، على القيام بهذا الدور من خلال نصب خيام إفطار الصائمين طوال أيام الشهر.

القرى والمدن

يقول هيثم علي اليماحي إن الإفطارات الجماعية عادة جميلة يتمتع بها المجتمع الإماراتي عاماً بعد عام، فهي تكسب صاحبها الأجر وتزيد من تعاضد المجتمع، إلا أنها بدت مؤخراً في تراجع كبير، خصوصاً مع دخول الشركات والجمعيات والمؤسسات الخيرية والمحسنين، على خط المبادرة، مع الحرص على تنظيم العملية في إطار خيم إفطار صائم محددة، وبتنا لا نجد لأنفسنا متسعاً من الراحة والألفة، بحكم وجود خيام تفتقد إلى حد ما حلاوة الإفطار مع الجيران والأقارب والروح التي يوفرها أهل الحي من خلال مبادراتهم الرمضانية في هذا الصدد.

ويوضح الوالد محمد خلفان من منطقة مسافي بالفجيرة، أن الإفطار في المساجد ظاهرة قديمة جداً، خصوصاً في القرى الجبلية الصغيرة، ويقول: «كنا نذهب إلى صلاة المغرب حاملين التمر واللقيمات، وننتظر أذان المغرب في المسجد، لنفطر مع الجيران، ثم نعود بعد الصلاة إلى منازلنا لإتمام الإفطار مع الأسرة». وخلال السنوات الأخيرة تطورت هذه العادات الحسنة، فأصبح أهل الخير يسارعون إلى توفير الإفطار للصائمين في المساجد من خلال الموائد والسفر الرمضانية».

إصرار الوالدة

ويؤكد عبيد راشد الحفيتي من منطقة دبا الفجيرة، أنه يفضل الصلاة في المسجد على البيت، خصوصاً في شهر رمضان، إذ يحرص على ملازمة المسجد قبيل الأذان ليعود بعد الصلاة إلى المنزل، لمشاركة أسرته الإفطار العائلي، ويقول إن والدتي تصرُّ عليّ يومياً في شهر رمضان بأن أحمل معي الأطباق الشعبية والحلويات التي تعدها بنفسها، إلى موائد الإفطار في المساجد، مشاركة منها في الوليمة التي عادة ما تقيمها الجمعيات الخيرية. ويضيف: «في البداية كنت أنزعج من هذه المهمة التي تفرضها علي والدتي عند كلّ إفطار، لكن عندما وجدت صدى ذلك الإيجابي لدى الصائمين، أصبحت أحرص على حمل الطعام يومياً».

ويعتبر سعيد اليماحي من منطقة السيجي، أن هذه العادة جيدة، فهي تكسبهم أجر الصلاة في المسجد ومساعدة الآخرين، فهي من العادات القديمة التي يجب أن تحافظ عليها الأجيال المتعاقبة، لا سيما وأن التواصل أصبح ضعيفاً هذه الأيام حتى بين سكان الحي الواحد، مؤكداً أن هذا السلوك يعود على أصحابه بسعادة غامرة، فما أجمل مشهد اجتماع أهل الحي على مائدة الإفطار في المسجد منتظرين أذان المغرب، مشيراً إلى أن الإفطار الحقيقي يكون مع الأسرة والأبناء في المنزل.

شهر الخير

وتتسع مهمة المساجد خلال شهر رمضان المبارك في كافة إمارات الدولة، لتشمل الندوات والمحاضرات إلى جانب موائد الإفطار، فتجدها تضم خلال الشهر الكريم جموعاً غفيرة على موائد الإفطار من مختلف الجنسيات، حتى بات الإفطار الجماعي في المساجد معلماً بارزاً خلال الشهر الفضيل، ويؤمن الكثير من المواطنين أن الإفطار في المسجد رغم محدوديته في الوقت الحالي، إلا انه يمنحهم كماً كبيراً من الفائدة، ويتيح الوقت أمامهم للتعبد واستغلال ما توفره المساجد في شهر الخير، ناهيك عن أجر إفطار الصائم، حيث أن ضيوف هذه الموائد يكونون غالباً من المارة الذين لم يسعفهم الوقت للذهاب إلى بيوتهم ومشاركة أسرهم الإفطار، فيجدون في موائد المساجد ما يقيتهم.

الإفطار العائلي

يجد الكثير من الشباب والأسر الممتدة، في الإفطار الجماعي العائلي، خصوصية فريدة ومتعه كبيرة، لمشاركتهم موائد الإفطار مع الأهل والأقارب. وهنا يشير الوالد أحمد خلفان الكعبي من مدينة كلباء، إلى أنه لا يزال محافظاً على الذهاب إلى المسجد قبل أذان المغرب حتى لا تفوته صلاة الجماعة، ويقول: «لا بأس في إحضار حبات من التمر واللبن والماء للإفطار في المسجد، لكن هذه الوجبات وإن كانت بسيطة، إلا أنها تضر بمكانة وقدسية المسجد أحياناً، ولابد من الانتباه في هذه المسألة». ويضيف: إن للإفطار العائلي خصوصية لا يضاهيها شيء، فتجمع الأبناء والأهل والإخوان وقت الإفطار، يولد شعوراً خاصاً وأجواء استثنائية، حيث الحوارات الجميلة وتبادل الأطباق بينهم، فضلاً عن المنتجات الرمضانية المنزلية التي تزيد من حلاوة الإفطار مع الأسرة.

Related posts