في قصيدة أهداها للإعلاميين العرب محمد بن راشد: الخليج ملاذ الأمة ومنه تعود قوتها

3146654082

نشر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يوم أمس قصيدة «إلى أمتي»، بمناسبة انعقاد منتدى الإعلام العربي، واختار سموه هذا التجمع العالمي الأكبر للإعلاميين العرب، الذي تحتضنه دبي، لتقديم رسائل عديدة تضمنتها القصيدة الشعرية، التي جاءت في 27 بيتاً شعرياً، حرك فيها نبض الأمة، في تدفق وجداني حميم، ينثال من المطلع الأول، ومن دموع المشتاق يكفكفها على حافة القافية، وكما الكلام الأول يطرز روح القصيدة.

6901

جاءت البداية مترعة بالوجد، أعادت البهاء العربي، ورونق حضارتنا الزاهية، فأمتنا هي الأمة التي خضعت لها الأعناق على مر التاريخ، يصف بواقعية بديعة حالها الآن، حيث الآفاق مطبقة في جلق وبابل، يستدعي التاريخ ويتساءل كيف آل الأمر إلى ذلك، يكتب من محبرته، وينثر أجنحة العُلا، مبهوراً بهوى القريض الأبيَّةٌ، يولد من حرفه إنسانُ عربي عملاق، صانع جديد للتاريخ والأمجاد، مُشرق الصَّحائف، يقدم فيه الخليج اليوم روحاً جديدة للأمة، فهو ملاذها، ومنه تعود قوتها:

كفَكِفْ دموعكَ أيُّها المُشتاقُ

فلكُلِّ وجدٍ لَوْ علمتَ مذاقُ

ولأنتَ مفتونٌ بعشقكَ أمَّةً

خضعَتْ لعزَّةِ مجدها الأعناقُ

توظيفات تاريخية

قصيدة «إلى أمتي» وقفة شعرية إزاء مُنعطف تاريخي، تقف فيه الأمة اليوم أمام تغيرات محورية، فهذه الأمة العظيمة يرثى لحالها اليوم، يمسك بالوجع العربي من الماء إلى الماء، وعبر توظيفات تاريخية متقنة، بعيدة عن الرسميات، وبلغة شعرية مباشرة، يرسم صورة المشهد، فتلك »جلق« في أسمالها خرائب ومحاقُ، وفي ذلك إحالة لما يقع اليوم في سوريا من حرب وتدمير، وصراع أتى على الأخضر واليابس، وتلك نخلات بابل الشامخة غاب سحرها، فلم يعد العراق هو العراق.

فالأرض دامية يباب، وأنى التفت فثمة غيلة ودم يراق ونكبة وشقاق وصراع، وفي هذا المقطع الوجداني المُبكي، الذي أبدع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في وصفه، يذكرنا بقصيدة الشاعر أحمد شوقي »قُمْ نَاجِ جِلَّقَ«، التي يقول في مطلعها: »قُمْ نَاجِ جِلَّقَ وانْشُدْ رَسْـمَ مَنْ بَانُوا/ مَشَتْ عَلَى الرّسْمِ أَحْدَاثٌ وَأَزْمَانُ« ويقول سموه في المقطع:

أوَّاهُ ما هذا الذي في أمَّتي

قدْ حَلَّ حتَّى اسوَدَّتِ الآفاقُ

ناديتُ جِلَّقَ وهيَ في أسمالها

ونَظرتُ وهي خرائبُ ومَحاقُ

وبأرض بابلَ أيُّ سحرٍ أسودٍ

أدْمَى فلمْ يَعُد العراقُ عراق

أنَّى التَفَتَّ فإنَّ ثمَّة غيلَة

ودمُ يُراقُ ونكبَةٌ وشقاقُ

ملاذ العروبة

يسترسل على درب القافية المُموسقة، في موقف يختلف فيه مذاق الوجد والشجن، يكتب بحبر القلب مواجع كبيرة، ويحاول نقل هموم غيور على حال هذه الأمة، التي كاد يقضي عليها الوجع في مناطق من أهم مناطقها، وصفها سموه بملاذ العروبة، متسائلاً هل ينفع الترياق بعد الردى، واصفاً الوضع بغير المحتمل، يطلعها سره وهو يناجيها، يضج الصدر بالحزن على حالها، يسوق المُهج العزيزة:

منْ بعدِ أنْ يقضي الرَّدىَ في مُهجَةٍ

قُلْ لي أيَنفَعُ بعدها التِّرياقُ

ما هكذا كانا ملاذ عُروبَتي

كلاَّ ولا الوضعُ الرَّهيبُ يطاقُ

أطلعتُها سِرِّي فضَجَّ مُطَوَّقٌ

كانتْ لهُ المُهجُ العزازُ تُساقُ

وطنٌ يراني فيهِ صاحِبَ بدعةٍ

في حُبِّهِ ويغارُ كيفَ أُشاقُ

أجنحَة العُلا

وكما الشعر خزان للشعوب، والقصيدة ذاكرتها الحية وصوت الضمير الجمعي، تنقش تطلعات الناس وآمالهم عبر الزمن، يختار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لغة سهلة وقريبة من بيئة عربية ومناخ بدوي خاص، خيامه شامخة التيجان، وأجواؤه مبهورة بفتنة الشعر والقصيدة، ينبتُّ منه إنسان عربي عملاق، يتطلع إلى أقصى ما يمكن، له نفس بين النجوم رفاق.

وفي ذلك دلالة على التوق والطموح وعلو الهمة، يشبه وصف المتنبي، حين قال »إذا غامرت في شرف مروم/ فلا تقنع بما دون النجوم«، يجمع حرفه وينتشي قلمه على رائعات الصحف يخط بحبره المجد ويحلق إلى أقصاها ترفعه أجنحة العلا والهمة والعزيمة، فإذا الصَّحائفُ كُلُّها إشراقُ:

وتَرَبَّعتْ في خيمةٍ بدويَّة

نَفسٌ لها بينَ النُّجومِ رفاقُ

مبهورةٌ بهوىَ القريض أبيَّةٌ

عَرَبِيّةٌ إنسانُها عملاقُ

وأخذتُ أجمَعُ نورَ حَرفيَ فانتشى

قلمٌ لهُ تتنافَس الأوراقُ

فإذا الصرَّيفُ حفيفُ أجنحَةِ العُلا

وإذا الصَّحائفُ كُلُّها إشراقُ

مراكز الصدارة

ينادي أمتنا العظيمة، بنفس شعري هادر، يحدوهم العزم، لا يرتضون غير الصدارة موضعاً، وحيث الأبناء الأوفياء يرسمون بالتضحية مجدها، من الخليج يعيد هؤلاء الأبناء الأوفياء وأصحاب العزيمة، أمجاد نهضتنا دأبهم الجد والاجتهاد، يصنعون حضارة جديدة ويخطون أفقاً مختلفاً للأقطار العربية ونهجاً جديداً للريادة:

ناديت أمتنا العظيمة أننَّا

مَلأٌ يُجانِبُ عزمنا الإخفاقُ

لا نرتضي غيرَ الصدارَة موضعاً

ولنا علىَ ما نَدَّعي ميثاقُ

منْ زارَ موطننا وعايَنَ صُنعَنا

صلَّى وقالَ تبارَكَ الخَلاَّقُ

عرب سلالة أمة عربية

شَرُفَتْ بها الأنسابُ والأعراقُ

إنقاذ اليمن

من أرضنا ومن أرض الخليج وأهله، حيث البطولة منهج ووثاق، تبزغ شمس تعيد رونقنا الحضاري، فلولا الخليج لضاع من أقطارنا اليمن، وفي ذلك استدعاء لعاصفة الحزم وإعادة الأمل، التي أنقذت اليمن الشقيق، حيث كان الخليج جاهزاً لنداء الأشقاء، وقدم أبناءه كتائب تنساق، زادها البطولة والإقدام، فردوا قطاع الطرق ومن عاثوا في الأرض فساداً:

منْ أرضنا ومنَ الخليجِ وأهلهِ

حيثُ البطولَةُ منهجٌ ووثاقُ

لولا الخليجِ لضاعَ منْ أقطارنا

اليمَنُ الشَّقيقُ ونالَهُ الإحراقُ

كُنَّا لهُ لمَّا دعانا شَعبهُ

دعوىَ الغريقِ كتائباً تنساقُ

لولا بطولةُ جيشنا وشبابنا

لقضى وعاثَ بربعهِ السُّراقُ

ملاذ الأمة

يعيد العزائم دفاقة في عطائها، فثمة روح جديدة تحيي الهمم، تطلع شمسها تبزغ من الخليج، رسالة يقدمها إلى من يظنون أن الحياة بسيطة وسهلة، فالحياة سباق على درب الإنجاز، وكما ورد في المنزل من الذكر الحكيم، هي عمل، وتلك القوة هي الروح الجديدة الدافعة التي ستنهض بهذه الأمة، فالخليج هو ملاذ الأمة، وقنطرتها إلى عز ليس له إملاق، بنهجها الريادي تعود قوة هذه الأمة، ركباً للفائزين، وحيث السباق لا يقبل المنتظرين، ولا أصحاب الأماني والأباطيل، بل الهمة العالية هي محك التميز:

دولُ الخليجِ هيَ الملاذُ لأمَّةٍ

غرَّاءَ ليسَ لعِزَّها إملاقُ

ومنَ الخليجِ تعودُ قوّةُ أمّتي

ولها بركبِ الفائزينَ لحاقُ

ولمنْ يظنُّونَ الحياةَ بسيطة

إنَّ الحياةَ إذا وعيتَ سباقُ

لا الانتظارُ بها يفيدُ ولا الرَّجا

بلْ هِمَّةٌ تَيَّارُها دَفَّاقُ

واللهُ قالَ قُلِ اعملوا بكتابهِ

وبالاجتهادِ تُحَصَّلُ الأرزاقُ

معانٍ

استخدم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في قصيدة »إلى أمتي« العديد من الألفاظ العميقة في معجمنا العربي، ومن ضمن ذلك كلمة »الصريف« وهي كلمة غير متداولة كثيراً، وتعني صوت القلم، حيث جاء في أبياته:

وأخذتُ أجمَعُ نورَ حَرفيَ فانتشى

قلمٌ لهُ تتنافَس الأوراقُ

فإذا الصرَّيفُ حفيفُ أجنحَةِ العُلا

وإذا الصَّحائفُ كُلُّها إشراقُ

(موقع الطويين : البيان)

Related posts